يتحدى القرآن البشرية قائلا:
﴿أَفَلا يَتَدَبَّرونَ القُرآنَ وَلَو كانَ مِن عِندِ غَيرِ اللَّهِ لَوَجَدوا فيهِ اختِلافًا كَثيرًا﴾
[النساء: ٨٢]
فكل ما ينتجه البشر يجب أن يكون فيه اختلافات كثيرة، معلنا بذلك قصور الإنسان وكمال القرآن.
في الجانب الآخر عندنا تيار مفتون بقدرة العقل البشري على التفكير والإنتاج العلمي الهائل ولذلك يتخذ من العلم الحديث حجة مطلقة ومرجع يقيس عليه، فما وافقه كان هو الصواب وما عارضه كان باطلا.
فأي المرجعين أولى بالثقة القرآن أم العلم الحديث؟
للإجابة على هذا السؤال يكفي التحقق من آية النساء السابقة، فإذا أثبتنا أن في العلم الحديث تناقضات، يكون القرآن هو الصواب، لأننا نعلم مسبقا أنه خال من أي تناقض، وإذا كان العلم الحديث خال من أي تناقض فإن القرآن سوف يكون مخطئا في حكمه في الآية السابقة، ومن ثم العلم الحديث أولى بالثقة.
إن أكثر العلوم الحديثة اتقانا ومنطقية هي الرياضيات بصفتها علما مجردا تماما، وهي وسيلة بناء العلوم الحديثة كلها، لذلك إن كان هناك علم مثالي خالي من أي تناقض سوف يكون الرياضيات بلا شك، فهل الرياضيات خالية من أي تناقض؟
في الواقع الأمر الرياضيات مليئة بالمتناقضات ولكن تحتاج إلى مستوى عال في معرفة الرياضيات لإدراكها، ومن ثم لا يمكننا تقديمها هنا لأن أغلب القراء لن يستطيعوا أن يفهموها، ولذلك سوف أقتصر على جمع متتالية الأعداد الطبيعية فأقول مستعينا بالله:
من البديهي أن جمع عددين موجبين سوف يعطينا عددا موجبا أكبر من كليهما، فإذا كان عندنا العدد (ا) موجب والعدد (ب) موجب فإن :
ا + ب = ج
ج سوف يكون عددا موجبا أكبر من ا وأكبر من ب لأن
ج - ا = ب و ب عدد موجب
ج - ب = ا و ا عدد موجب
هذا بديهي ومنطقي جدا ومن أساسيات الرياضيات البديهية التي يدرسها أي طالب.
تقول لنا الرياضيات أن مجموع :
1 + 2 + 3 + 4 + … + ~ = -1/12
نشير ب (~) إلى ما لا نهاية
أي أن مجموع جميع الأعداد الموجبة يساوي سالب واحد على اثني عشر، وهذه نتيجة غير منطقية ومناقضة تماما للمسلمات الرياضية البديهية التي تقول أن جمع أي أعداد موجبة يعطي عددا موجبا أكبر من كل واحد من الأعداد التي هو مجموعها.
أي أننا أمام تناقض صريح في الرياضيات، ومن ثم صدق الله حين قال :
﴿أَفَلا يَتَدَبَّرونَ القُرآنَ وَلَو كانَ مِن عِندِ غَيرِ اللَّهِ لَوَجَدوا فيهِ اختِلافًا كَثيرًا﴾
فحتى الرياضيات التي هي علم مجرد به تناقض، وبالتالي لا يمكن الوثوق به.
إن التناقض السابق ينسف مبدأ رياضيا مهما في الإثبات الرياضي، وهو الإثبات بالتراجع، والذي يقوم على الانطلاق من فرضية معينة ثم التحليل فإذا وصلنا لنتيجة غير منطقية نكون قد أثبتنا بطلان فرضيتنا التي انطلقنا منها، لأن نتيجة مجموع الأعداد الطبيعية الموجبة أعطانا عددا سالبا وهذه نتيجة غير منطقية البتة، لذلك المفروض بحسب التراجع أن نرفضها، ولكن لا يمكننا رفضها لأنها مثبتة رياضيا بطرق كثيرة - سوف اعرض في يلي أبسط واحدة من طرق إثباتها - لذلك لا يمكن الاعتماد على مبدأ التراجع في الإثبات رغم كونه أيضا منطقي جدا، ومن ثم فإن كل النتائج التي بنيت عليه هي نتائج قابلة للنقض، ويبقى الحق المطلق هو الوحي الذي قال الله عنه:
﴿لا يَأتيهِ الباطِلُ مِن بَينِ يَدَيهِ وَلا مِن خَلفِهِ تَنزيلٌ مِن حَكيمٍ حَميدٍ﴾
[فصلت: ٤٢]
إثبات أن مجموع الأعداد الطبيعية سالب 1/12
ليكن عندنا المجموع م1 بحيث :
م1 = 1-1+1-1+1-1+1-1 … ~
إذا طرحنا م1 من 1 نحصل على :
1-م1 = 1-(1-1+1-1+1-1 … ~)
1-م1 = 1-1+1-1+1-1+1-1 … ~
الطرف الثاني هو نفسه م1 إذن وجدنا
1-م1 = م1
هذا يعني أن
م1 = ½
ليكن عندنا المجموع م2 المعرف ب:
م2 = 1-2+3-4+5-6 … ~
إذا جمعنا م2 مع نفسها ولكن بحيث نجمع العدد الثاني من الأولى بالعدد الأول من الثانية نحصل على:
م2 = 1-2+3-4+5-6 … ~
+
م2 = 1-2+3-4+5-6 … ~
إذن يكون عندنا:
2م2 = 1+(-2+1)+(3-2)+(-4+3)+(5-4)+ … ~
2م2 = 1+(-1)+(1)+(-1)+(1) …~
2م2 = 1-1+1-1+1-1 …~
2م2 = م1
2م2 = ½
إذن م2 = ¼
لنسمي مجموع الأعداد الطبيعية م3 إذن :
م3 = 1+2+3+4+5+6 …~
لنطرح م2 من م3 :
م3 - م3 = 1+2+3+4+5 … ~ - (1-2+3-4+5-6 …~)
م3 - م2 = 1-1+(2+2)+(3-3)+(4+4)+(5-5)+(6+6)+(7-7)+(8+8)+…~
م3 - م2= 0+4+0+8+0+12+0+16+ …~
م3 - م2 = 4+8+12+16+20 …~
نخرج 4 كعامل مشترك فنحصل على :
م3 - م2 = 4(1+2+3+4+5 …~)
م3 - م2 = 4م3
إذن
3م3 = -م2
بالتعويض بقيمة م2 نجد
3م3 = -(¼)
أي أن
م3 = -(1/12)
وهذا هو المطلوب إثباته.
هل بعد هذا الإثبات يبقى هناك شك عند أي عاقل عالم بالعلوم حديث أن القرآن كلام الله الكامل من كل عيب ونقص؟!
أضف إلى هذا الأدلة الكثيرة التي تثبت أن القرآن الكريم كلام الله والتي تطرقت لبعضها سلفا، أن الإنسان أمام القرآن لا مفر له من التسليم والإذعان، وإلا كان مريضا قد ملأ الكبر والجهل قلبه والعياذ بالله.