ما الذي يثبت أن القرآن كلام الله ؟

فِي سَبِيلِ التَّحَرُّرِ مِنْ تَقْلِيدِ التُّرَاثِ طَرَحْتُ فِي الْبَحْثِ الْمَاضِي السُّؤَالَ التَّالِيَ:

مَا الَّذِي يُثْبِتُ أَنَّ الْإِسْلَامَ الَّذِي أَتَى بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الدِّينُ الْوَحِيدُ الْمَرْضِيُّ عِنْدَ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ ؟

وَكُنْتُ قَدْ أَرْجَأْتُ الْجَوَابَ عَلَى هَذَا السُّؤَالِ إِلَى بَحْثٍ مُسْتَقِلٍّ، خَوْفًا مِنْ أَنْ يَطُولَ الْبَحْثُ، وَالْيَوْمَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ سَوْفَ أُجِيبُ عَلَيْهِ، لِذَلِكَ هَذَا الْبَحْثُ هُوَ جُزْءٌ مُكَمِّلٌ لِلْبَحْثِ السَّابِقِ، الَّذِي هَدَفُهُ تَحَرُّرُ الْإِنْسَانِ مِنْ جَمِيعِ سُلُطَاتِ الْبَشَرِ، وَتَسْلِيمُ نَفْسِهِ وَمَالِهِ لِلَّهِ وَحْدَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى

إِنَّ أَحْسَنَ طَرِيقَةٍ لِإِثْبَاتِ أَنَّ الْإِسْلَامَ الَّذِي أَتَى بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الدِّينُ الْوَحِيدُ الْمَرْضِيُّ عِنْدَ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ، هِيَ إِثْبَاتُ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ، وَلَيْسَ مِنْ تَأْلِيفِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّنَا إِذَا أَثْبَتْنَا أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ، وَلَيْسَ مِنْ تَأْلِيفِ مُحَمَّدٍ، نَكُونُ قَدْ أَثْبَتْنَا أَنَّ لِهَذَا الْكَوْنِ خَالِقًا هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُهُ، وَمِنْ ثَمَّ يَبطُلُ الْإِلْحَادُ الْقَائِمُ عَلَى فَرَضِيَّةِ أَنَّ الْكَوْنَ أَوْجَدَ نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ صُدْفَةً .

كَذَلِكَ نَكُونُ قَدْ أَثْبَتْنَا أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، لِأَنَّهُ هُوَ مَنْ حَمَلَ إِلَيْنَا كَلَامَ اللَّهِ، وَبِالتَّالِي فَلَا شَكَّ أَنَّ الدِّينَ الْمَرْضِيَّ عِنْدَ اللَّهِ، هُوَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ، وَمِنْ ثَمَّ نَكُونُ قَدْ أَجَبْنَا عَلَى فَرَضِيَّةٍ طَرَحْتُهَا فِي الْبَحْثِ السَّابِقِ، وَهِيَ لِمَ لَا تَكُونُ النَّصْرَانِيَّةُ أَوِ الْيَهُودِيَّةُ أَوْ غَيْرُهَا مِنْ الْأَدْيَانِ، هِيَ الدِّينُ الْمَرْضِيُّ عِنْدَ اللَّهِ.

لِذَلِكَ سَوْفَ يَكُونُ مَوْضُوعُ الْبَحْثِ هُوَ مَعْرِفَةُ مَا الدَّلِيلُ أَوْ الْأَدِلَّةُ الْقَاطِعَةُ الَّتِي تُثْبِتُ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ ، أَوْ تُثْبِتُ أَنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ كَلَامَ اللَّهِ، وَسَوْفَ أَتَنَاوَلُ هَذَا الْمَوْضُوعَ مِنْ الْمَحَاوِرِ التَّالِيَةِ:

التَّحَرُّرُ مِنْ الْمُعْتَقَدَاتِ السَّابِقَةِ عَنْ الْقُرْآنِ

مَاذَا سَأَسْتَفِيدُ مِنْ إِثْبَاتِ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ، إِذَا كَانَ الْقُرْآنُ فِي حَقِيقَتِهِ لَيْسَ إِلَّا كِتَابًا مِنْ تَأْلِيفِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟

وَمَاذَا سَأَسْتَفِيدُ مِنْ إِثْبَاتِ أَنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ كَلَامَ اللَّهِ، إِذَا كَانَ الْقُرْآنُ فِي حَقِيقَتِهِ كَلَامَ اللَّهِ الَّذِي يُخَاطِبُنِي فِيهِ ؟

إِنَّ الْإِجَابَةَ عَلَى السُّؤَالَيْنِ السَّابِقَيْنِ هِيَ أَنَّنِي سَأَخْسَرُ، فَفِي الْحَالَةِ الْأُولَى سَوْفَ أَكُونُ عَبْدًا لِكِتَابٍ بَشَرِيٍّ، وَفِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ سَوْفَ يَنَالُنِي الْعَذَابُ الشَّدِيدُ الَّذِي أَعَدَّهُ اللَّهُ لِلْمُكَذِّبِينَ بِالْقُرْآنِ، وَعَلَيْهِ فَإِنَّ أَصْوَبَ قَرَارٍ أَتَّخِذُهُ بِخُصُوصِ الْقُرْآنِ هُوَ أَنْ أَكُونَ مُحَايِدًا، لَسْتُ ضِدَّ أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ كَلَامَ اللَّهِ، وَلَا أَفْتَرِضُ مُسْبَقًا أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ، وَلَكِنِّي أَنْظُرُ بِحِيَادٍ تَامٍّ لِلْأَدِلَّةِ دُونَ تَشْوِيشٍ مِنْ أَفْكَارٍ مُسْبَقَةٍ، فَمَا أَثْبَتَتْهُ الْأَدِلَّةُ الْعَقْلِيَّةُ الْقَاطِعَةُ الَّتِي لَا تَقْبَلُ الشَّكَّ أَتْبَعُهُ، وَأَنَا عَلَى يَقِينٍ أَنَّنِي حُرٌّ فِي قَرَارِي الَّذِي أَخَذْتُهُ دُونَ أَيِّ تَأْثِيرٍ .

إِنَّ هَذَا الْحِيَادَ التَّامَّ هُوَ السَّهْلُ الْمُمْتَنِعُ، وَذَلِكَ لِضَعْفِ النَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ، وَتَعَلُّقِهَا بِمَا تَتَبَنَّاهُ مِنْ أَفْكَارٍ مُسْبَقَةٍ، عَلَى الرَّغْمِ مِنْ كَوْنِ أَغْلَبِ النَّاسِ يَدَّعُونَ الْحِيَادَ، وَلَكِنَّهُمْ عِنْدَ التَّطْبِيقِ مُتَحَيِّزُونَ جِدًّا، وَبِشَكْلٍ لَا شُعُورِيٍّ لِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ أَفْكَارٍ مُسْبَقَةٍ، خُصُوصًا إِذَا كَانَتْ تُوَافِقُ هَوَاهُمْ، وَنَمَطَ عَيْشِهِمْ، فَالشَّخْصُ الْمُلْحِدُ مِنْ الصَّعْبِ عَلَيْهِ أَنْ يُنَاقِشَ الْأَدِلَّةَ الَّتِي تُقَدَّمُ إِلَيْهِ بِحِيَادِيَّةٍ، لِأَنَّ أَفْكَارَهُ الْإِلْحَادِيَّةَ تَمْنَحُهُ مُبَرِّرًا لِلتَّنَصُّلِ مِنْ التَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُقَيِّدَةِ لِحُرِّيَّتِهِ، وَمِنْ ثَمَّ نَجِدُهُ يَدْفَعُ الْأَدِلَّةَ الْقَاطِعَةَ بِشُبُهَاتٍ ظَنِّيَّةٍ فَاقِدَةٍ لِلْأَسَاسِ الْمَنْطِقِيِّ، وَالسَّبَبُ أَنَّهُ مُتَحَيِّزٌ لِنَمَطِ عَيْشِهِ.

كَذَلِكَ الْكَثِيرُ مِنْ الْمُتَدَيِّنِينَ يُؤْمِنُ بِمَجْمُوعَةٍ مِنْ الْمُعْتَقَدَاتِ السَّخِيفَةِ عَقْلًا، وَيُدَافِعُ عَنْهَا بِالْبَاطِلِ، مَعَ أَنَّهُ يَدَّعِي الْحِيَادَ وَالتَّجَرُّدَ، لِأَنَّ نَمَطَ عَيْشِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى تِلْكَ الْمُعْتَقَدَاتِ، وَمِنْ ثَمَّ فَهُوَ فِي حَقِيقَةِ أَمْرِهِ غَيْرُ مُسْتَعِدٍّ لِلتَّخَلُّصِ مِنْهَا بَعْدَ بَيَانِ فَسَادِهَا، نَتِيجَةً لِمَا سَوْفَ يُكَلِّفُهُ التَّخَلُّصُ مِنْهَا مِنْ ضَرِيبَةٍ يَجِدُهَا بَاهِظَةً.

لِذَلِكَ نَحْتَاجُ مُصَارَحَةً مَعَ الذَّاتِ، نَجْعَلُ النَّفْسَ لَا تَنْظُرُ إِلَّا لِلْحَقِّ الْمُجَرَّدِ، وَتَكُونُ مُسْتَعِدَّةً لِلتَّغْيِيرِ، وَهَذِهِ الْمُصَارَحَةُ هِيَ قَرَارٌ شَخْصِيٌّ عَلَيْكَ أَنْ تُفَكِّرَ فِيهِ الْآنَ قَبْلَ الْمُوَاصَلَةِ، وَإِلَّا فَإِنَّ الِاسْتِفَادَةَ مِنْ هَذِهِ السُّطُورِ قَدْ تَكُونُ مَعْدُومَةً بِالنِّسْبَةِ لَكَ.

الْأَدِلَّةُ الْعَقْلِيَّةُ الْقَاطِعَةُ الَّتِي تُثْبِتُ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللهِ

ما الذي يثبت أن القرآن كلام

قَبْلَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ سَنَةً مِنْ الْآنَ كُنْتُ عَلَى مَوْعِدٍ مَعَ حَادِثَةٍ هَزَّتْ كِيَانِي، وَجَعَلْتْنِي أَقْبَلُ أَنْ أَتَجَرَّدَ فِي تَفْكِيرِي، وَأُرَاجِعَ مُعْتَقَدَاتِي، فَقَدْ كُنْتُ قَبْلَهَا مُلْحِدًا، وَبَدَأْتُ بِطَرْحِ السُّؤَالِ التَّالِي

هَلْ فِعْلًا لَيْسَ لِهَذَا الْكَوْنِ خَالِقٌ ؟

وَهَلْ فِعْلًا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ إِلَّا مُجَرَّدَ كَذَّابٍ؟

إِنَّ السَّبِيلَ الْوَحِيدَ لِمَعْرِفَةِ الْإِجَابَةِ هِيَ فَحْصُ الْقُرْآنِ، فَإِذَا كَانَ مُحَمَّدٌ رَسُولًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فِعْلًا، فَلَابُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي الْقُرْآنِ الْأَدِلَّةُ الْعَقْلِيَّةُ الْقَاطِعَةُ عَلَى أَنَّهُ فِعْلًا كَلَامُ اللَّهِ، وَمِنْ هُنَا بَدَأتُ الْبَحْثَ الَّذِي لَمْ يَسْتَغْرِقْ وَقْتًا طَوِيلًا، فَقَدْ كَانَتْ الْأَدِلَّةُ الَّتِي تُثْبِتُ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللهِ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُحْصَى، وَإِلَيْكَ بَيَانُ بَعْضِهَا

أُسْلُوبُ الْقُرْآنِ الْفَرِيدُ

عِنْدَمَا تَفْتَحُ الْمُصْحَفَ لِتَقْرَأَ، فَإِنَّ أَوَّلَ آيَةٍ تَقْرَأُهَا هِيَ :

﴿بِسمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ﴾ 

[الفاتحة: ١]

وَهُنَا أَكْبَرُ صَدْمَةٍ، فَأَنْتَ الْقَارِئُ، وَأَنْتَ الْمُتَكَلِّمُ فِي نَفْسِ الْوَقْتِ، فَأَنْتَ حِينَ تَقْرَأُ

﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾

فَأَنْتَ تُعَبِّرُ عَن نَفْسِكَ، فَمَعْنَاهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَقْرَأُ

وَهَذِهِ مُفَاجَأَةٌ كَبِيرَةٌ، فَالطَّبِيعِيُّ أَنَّ الْإِنْسَانَ حِينَ يَقْرَأُ كِتَابًا أَلَّفَهُ غَيْرُهُ يَظَلُّ هُوَ الْمُخَاطَبُ، وَالْمُؤَلِّفُ هُوَ الْمُتَكَلِّمُ، وَلَكِنْ هُنَا الْقَارِئُ هُوَ الْمُتَكَلِّمُ، وَيَظَلُّ يَتَكَلَّمُ طَوَالَ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ، يُخَاطِبُ اللَّهَ جَلَّ جَلَالُهُ

﴿إِيّاكَ نَعبُدُ وَإِيّاكَ نَستَعينُ۝اهدِنَا الصِّراطَ المُستَقيمَ۝صِراطَ الَّذينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم غَيرِ المَغضوبِ عَلَيهِم وَلَا الضّالّينَ﴾ 

[الفاتحة: ٥-٧]

هَذَا الْأُسْلُوبُ لَيْسَ أُسْلُوبَ الْبَشَرِ فِي التَّأْلِيفِ، بَلْ هُوَ أُسْلُوبٌ فَرِيدٌ، يُعَلِّمُ اللَّهُ فِيهِ عَبْدَهُ كَيْفَ يَدْعُوهُ، وَمَاذَا يَسْأَلُ رَبَّهُ، كَمَا يُبَيِّنُ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ، وَالْغَايَةَ الَّتِي أُنْزِلَ مِنْ أَجْلِهَا هَذَا الْكِتَابُ، كَمَا يُشَرِّفُ الْإِنْسَانَ، وَيُبَيِّنُ عَلَاقَتَهُ بِالْكَوْنِ وَبِبَنِي جِنْسِهِ، كَمَا يُبَيِّنُ أَقْسَامَ النَّاسِ جَمِيعًا، فَكَانَتْ بِذَلِكَ الْفَاتِحَةُ أَعْجَبَ مُقَدِّمَةٍ، حَيْثُ حَوَتْ مَعْلُومَاتٍ كَثِيرَةً، فِي كَلِمَاتٍ قَلِيلَةٍ، بِأُسْلُوبٍ فَرِيدٍ.

وَسَوَاءٌ اتَّفَقْتَ مَعِي عَلَى مَا حَوَتْ الْفَاتِحَةُ مِنْ عِلْمٍ، أَمْ لَمْ تَتَّفِقْ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُكَ نُكْرَانُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِأُسْلُوبِ الْبَشَرِ فِي تَأْلِيفِ كُتُبِهِمْ، وَهَذِهِ تَكْفِي لِإِثْبَاتِ أَنَّ الْقُرْآنَ مُخْتَلِفٌ عَنْ إِنْتَاجِ الْبَشَرِ، وَمِنْ ثَمَّ فَهُوَ لَيْسَ مِنْ تَأْلِيفِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطْعًا.

عَجْزُ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ أَنْ يَأْتوا بِمِثْلِ الْقُرْآنِ

لِنَفْتَرِضَ أَنَّ مُحَمَّدًا هُوَ مَنْ أَلَّفَ الْقُرْآنَ، فَالْقُرْآنُ إِذَنْ تَأْلِيفُ بَشَرٍ، وَهَذَا يَعْنِي أَنَّ تَأْلِيفَ مَجْمُوعَةٍ آخَرِينَ مِنْ بُلَغَاءِ الْعَرَبِ سَوْفَ يَكُونُ أَحَسَنَ مِنْهُ، أَوْ عَلَى الْأَقَلِّ مُسَاوٍ لَهُ، خُصُوصًا إِذَا عَلِمْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ أَبْلَغَ الْعَرَبِ، فَهُوَ لَمْ يُعْرَفْ بِالنُّبُوغِ فِي الْخَطَابَةِ، وَلَا الشَّعْرِ قَبْلَ بِعْثَتِهِ، لِذَلِكَ لَا شَكَّ أَنَّ إِنْتَاجَهُ الْأَدَبِيَّ لَنْ يَكُونَ أَحْسَنَ مِنْ انْتَاجِ بُلَغَاءِ الْعَرَبِ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ ؟

بَلَى، فَجُهْدُ الْجَمَاعَةِ أَكْبَرُ مِنْ جُهْدِ الْفَرْدِ، وَهَذَا مَا تَحَدَّى بِهِ اللَّهُ جَمِيعَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ فِي قَوْلِهِ:

﴿وَإِن كُنتُم في رَيبٍ مِمّا نَزَّلنا عَلى عَبدِنا فَأتوا بِسورَةٍ مِن مِثلِهِ وَادعوا شُهَداءَكُم مِن دونِ اللَّهِ إِن كُنتُم صادِقينَ﴾ 

[البقرة: ٢٣]

وَلِكَيْ لَا يُتْرَكَ لِلْمُكَابِرِينَ مَجَالٌ، فَقَدْ أَلْزَمَهُمْ بِأَنْ يَأْتُوا بِشُهَدَاءَ يَشْهَدُونَ لَهُمْ أَنَّ مَا انْتَجُوهُ مِثْلُ الْقُرْآنِ، وَهُوَ الْأَمْرُ الَّذِي لَمْ تُفْلِحْ فِيهِ الْبَشَرِيَّةُ حَتَّى الْآنَ، وَلَنْ تُفْلِحَ فِيهِ، لِأَنَّ مَنْ عَرَفَ الْقُرْآنَ يَعْرِفُ أَنَّهُ أَمَامَ كِتَابٍ فَرِيدٍ، يَسْتَحِيلُ أَنْ يُشْبِهَهُ شَيْءٌ، لِذَلِكَ لَيْسَ لِلْمَرْءِ إِنْ كَانَ بِهِ ذَرَّةُ إِنْصَافٍ، إِلَّا أَنْ يَقْبَلَ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَهُنَا يَكُونُ الْإِنْسَانُ أَمَامَ خِيَارَيْنِ، إِمَّا أَنْ يُسَلِّمَ لَه، فَيَسْلَمَ، أَوْ يَسْتَكْبِرَ فَيَتَحَقَّقَ فِيهِ الْوَعِيدُ: 

﴿فَإِن لَم تَفعَلوا وَلَن تَفعَلوا فَاتَّقُوا النّارَ الَّتي وَقودُهَا النّاسُ وَالحِجارَةُ أُعِدَّت لِلكافِرينَ﴾ 

[البقرة: ٢٤]

إِنَّ أُسْلُوبَ التَّحَدِّي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

﴿قُل لَئِنِ اجتَمَعَتِ الإِنسُ وَالجِنُّ عَلى أَن يَأتوا بِمِثلِ هذَا القُرآنِ لا يَأتونَ بِمِثلِهِ وَلَو كانَ بَعضُهُم لِبَعضٍ ظَهيرًا﴾ 

[الإسراء: ٨٨]

لَا يَتْرُكُ لِلْمَرْءِ فُرْصَةً فِي الِانْسِحَابِ، فَإِمَّا أَنْ تَقْبَلَ بِعَجْزِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ الْقُرْآنِ، وَسَاعَتَهَا تُسَلِّمُ أَنَّهُ قَطْعًا كَلَامُ اللَّهِ، أَوْ تَأْتِي بِمَثِيلِ الْقُرْآنِ وَتَأْتِي بِشُهَدَاءَ يَشْهَدُونَ لَكَ.

فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْعَرَبُ يَتَحَدَّثُونَ الْعَرَبِيَّةَ سَلِيقَةً، فَهِيَ لِسَانُهُمْ، وَلِذَلِكَ كَانَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ لَمَّا يَسْمَعُ الْقُرْآنَ يَتَزَلْزَلُ لِثِقَلِهِ وَقُوَّتِهِ، فَلَا يَمْلِكُ إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ نَظَرًا لِقُوَّةِ هَذَا الْخِطَابِ الَّذِي لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ.

وَاَلَّذِي لَمْ يُرِدْ اللَّهُ هِدَايَتَهُ - نَتِيجَةً لِمَا عَلِمَ فِي قَلْبِهِ مِنْ كِبْرٍ وَعِنَادٍ - فَقَدْ خَتَمَ عَلَى قَلْبِهِ وَأَصَمَّ أُذُنَهُ فَلَا يَعِي الْقُرْآنَ وَلَا يَسْمَعُهُ : 

﴿وَإِذا قَرَأتَ القُرآنَ جَعَلنا بَينَكَ وَبَينَ الَّذينَ لا يُؤمِنونَ بِالآخِرَةِ حِجابًا مَستورًا۝وَجَعَلنا عَلى قُلوبِهِم أَكِنَّةً أَن يَفقَهوهُ وَفي آذانِهِم وَقرًا وَإِذا ذَكَرتَ رَبَّكَ فِي القُرآنِ وَحدَهُ وَلَّوا عَلى أَدبارِهِم نُفورًا﴾ 

[الإسراء: ٤٥-٤٦]

لِذَلِكَ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ بِالْقُرْآنِ لِأَنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَنْفُذْ إِلَى قُلُوبِهِمْ، وَمَعَ ذَلِكَ عَلِمُوا أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ الْقُرْآنِ، لِذَلِكَ لَمْ يَجْرُؤُوا عَلَى الْمُحَاوَلَةِ.

فِي زَمَانِنَا هَذَا حَيْثُ صَارَ الْعَرَبُ عَجَمًا، فَمَا عَادُوا يَسْتَطِيعُونَ تَذَوُّقَ الْخِطَابِ الْقُرْآنِيِّ كَمَا يَجِبُ، صِرْنَا نَرَى بَعْضَ الْجَهَلَةِ بِاللُّغَةِ يُحَاوِلُونَ أَنْ يَنْظِّمُوا سَجْعًا سَخِيفًا، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ مِثْلُ الْقُرْآنِ، وَهُمْ بِذَلِكَ لَا يَزِيدُونَ عَلَى كَشْفِ جَهْلِهِمْ بِالْعَرَبِيَّةِ وَالْكِبِرِ الَّذِي مَلَأَ قُلُوبَهُمْ، فَلَوْ كَانُوا عَلَى عِلْمٍ بِالْعَرَبِيَّةِ، لَمَا تَجَرَّأُوا أَصْلًا عَلَى الْمُحَاوَلَةِ، كَمَا لَمْ تَتَجَرَّأْ قُرَيْشٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُحَاوَلَةِ رَغْمَ عَدَائِهَا الشَّدِيدِ لِلْإِسْلَامِ.

خُلُوُّ الْوَحْيِ مِنْ أَيِّ نَقْصٍ

مِنْ طَبِيعَةِ الْبَشَرِ الضَّعْفُ، وَمَا يَنْجُمُ عَنْهُ مِنْ نَقْصٍ فِي أَعْمَالِهِمْ، فَكُلُّ عَمَلٍ بَشَرِيٍّ مَهْمَا كَانَ، وَلَوْ كَانَ الرّياضِياتُ، يَظَلُّ فِيهِ أَخْطَاءٌ وَعُيُوبٌ، مَهْمَا حَاوَلَ الْمَرْءُ تَرْقِيعَهَا يَبْقَى بَعْضُهَا، وَخُصُوصًا فِي مَجَالِ التَّأْلِيفِ حَيْثُ تَكْثُرُ الْأَخْطَاءُ، لِذَلِكَ نَظَلُّ نَرَى الطَّبَعَاتِ تِلْوَ الطَّبَعَاتِ لِنَفْسِ الْعَمَلِ، وَفِي كُلِّ طَبْعَةٍ يُحَاوِلُ الْمُؤَلِّفُ تَلَافِيَ أَخْطَاءٍ بِعَيْنِهَا، وَلَكِنَّهُ يَقَعُ فِي أُخْرَى، وَهَكَذَا فِي الطَّبْعَةِ الْمُوَالِيَةِ، وَهَلُمَّ جَرْ

لِذَلِكَ إِذَا كَانَ الْقُرْآنُ مِنْ تَأْلِيفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَا شَكَّ أَنَّ فِيهِ أَخْطَاءً، وَقَابِلٌ لِلتَّحْسِينِ، فَهُوَ إِنْتَاجُ بَشَرٍ أَلَيْسَ كَذَلِكَ ؟

فَإِذَا وَجَدْنَا الْقُرْآنَ خَالِيًا مِنْ أَيِّ خَطَأٍ أَوْ نَقْصٍ، عَلِمْنَا يَقِينًا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عِنْدِ بَشَرٍ، لِذَلِكَ فَهُوَ حَتْمًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَلِيمِ الْقَدِيرِ، وَهَذَا بِالضَّبْطِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ فِي قَوْلِهِ:

﴿أَفَلا يَتَدَبَّرونَ القُرآنَ وَلَو كانَ مِن عِندِ غَيرِ اللَّهِ لَوَجَدوا فيهِ اختِلافًا كَثيرًا﴾ 

[النساء: ٨٢]

أَحْيَانًا نَسْمَعُ مِنْ الْبَعْضِ أَنَّ فِي الْقُرْآنِ أَخْطَاءً عِلْمِيَّةً، سَوْفَ نُنَاقِشُهَا فِي آخِرِ الْبَحْثِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عِنْدَ ذِكْرِ الْأَدِلَّةِ الَّتِي تُثْبِتُ أَنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ كَلَامَ اللَّهِ

عُلُوُّ الْخِطَابِ الْقُرْآنِيِّ

إِنَّ النَّفْسَ الْبَشَرِيَّةَ نَفْسٌ ضَعِيفَةٌ، وَيَظْهَرُ هَذَا الضَّعْفُ فِيمَا تُنْتِجُهُ مِنْ أَعْمَالٍ، وَخُصُوصًا إِذَا كَانَ صَاحِبُ الْعَمَلِ شَخْصًا يَبْحَثُ عَنْ الْأَتْبَاعِ وَالْأَنْصَارِ، فَإِنَّنَا بِلَا شَكٍّ سَوْفَ نَجِدُ بَعْضَ الْمَيْلِ عَلَى الاتْبَاعِ وَالتَّسَتُّرِ عَلَيْهِمْ، حَتَّى لَا يَنْفِرُوا وَيَتْرُكُوا الدَّاعِيَةَ.

وَلَكِنْ عِنْدَمَا نَتَصَفَّحُ الْقُرْآنَ نَجِدُ أَنَّهُ لَا يُحَابِي الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا أَخْطَأُوا، أَوْ فَعَلُوا خِلَافَ الأَصْوَبِ، بَلْ يُهَدِّدُهُمْ أَحْيَانًا بِتَهْدِيدٍ قَوِيٍّ جِدًّا، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:

﴿ما كانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكونَ لَهُ أَسرى حَتّى يُثخِنَ فِي الأَرضِ تُريدونَ عَرَضَ الدُّنيا وَاللَّهُ يُريدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزيزٌ حَكيمٌ۝لَولا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُم فيما أَخَذتُم عَذابٌ عَظيمٌ۝فَكُلوا مِمّا غَنِمتُم حَلالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفورٌ رَحيمٌ﴾ 

[الأنفال: ٦٧-٦٩]

كَمَا نَجِدُهُ يُعَاتِبُ الْمُؤْمِنِينَ فِي قَوْلِهِ :

﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِذا ضَرَبتُم في سَبيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنوا وَلا تَقولوا لِمَن أَلقى إِلَيكُمُ السَّلامَ لَستَ مُؤمِنًا تَبتَغونَ عَرَضَ الحَياةِ الدُّنيا فَعِندَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثيرَةٌ كَذلِكَ كُنتُم مِن قَبلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيكُم فَتَبَيَّنوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعمَلونَ خَبيرًا﴾ 

[النساء: ٩٤]

وَيَكْشِفُ ما كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخفِي فِي نَفسِهِ : 

﴿وَإِذ تَقولُ لِلَّذي أَنعَمَ اللَّهُ عَلَيهِ وَأَنعَمتَ عَلَيهِ أَمسِك عَلَيكَ زَوجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخفي في نَفسِكَ مَا اللَّهُ مُبديهِ وَتَخشَى النّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخشاهُ فَلَمّا قَضى زَيدٌ مِنها وَطَرًا زَوَّجناكَها لِكَي لا يَكونَ عَلَى المُؤمِنينَ حَرَجٌ في أَزواجِ أَدعِيائِهِم إِذا قَضَوا مِنهُنَّ وَطَرًا وَكانَ أَمرُ اللَّهِ مَفعولًا﴾ 

[الأحزاب: ٣٧]

فَلَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ هُوَ مَنْ أَلَّفَ الْقُرْآنَ لَمَا تَجَرَّأَ أَبَدًا أَنْ يَقُولَ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ، وَغَيْرَهُ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ، لِأَنَّهُ يُقَلِّلُ أَتْبَاعَهُ بِلَا شَكٍّ، لِذَلِكَ قَطْعًا الْقُرْآنُ لَيْسَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الَّذِي يُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ، وَلَا يُحَابِي أَحَدًا.

مَنْزِلَةُ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَامُ فِي الْقُرْآنِ

مِنْ الْمَعْلُومِ الْعَدَاءُ التَّارِيخِيُّ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالْعَرَبِ، لِدَرَجَةِ أَنَّ الْوَصْفَ بِكَلِمَةِ "يَهُودِيٍّ" تُعْتَبَرُ سُبَّةً عِنْدَ الْعَرَبِ، وَذَلِكَ لِشِدَّةِ احْتِقَارِهِمْ لِلْيَهُودِ، كَمَا أَنَّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَبِيٌّ وَأَتْبَاعُهُ فِي حَيَاتِهِ أَغْلَبُهُمْ عَرَبٌ، وَبِالرَّغْمِ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ فَإِنَّ الْقُرْآنَ الَّذِي أَتَى بِهِ، فِيهِ آيَةٌ تَنُصُّ عَلَى أَنَّ مَرْيَمَ أَفْضَلُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ:

﴿وَإِذ قالَتِ المَلائِكَةُ يا مَريَمُ إِنَّ اللَّهَ اصطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصطَفاكِ عَلى نِساءِ العالَمينَ﴾ 

[آل عمران: ٤٢]

فَلَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ هُوَ مَنْ أَلَّفَ الْقُرْآنَ مِنْ رَأْسِهِ، لَمَا كَانَ وَضْعَ هَذِهِ الْآيَةَ فِي تَأْلِيفِهِ، نَظَرًا لِكَوْنِهَا تُغْضِبُ الْجُمْهُورَ الَّذِي يُخَاطِبُهُ، فَهُوَ يَقُولُ لَهُمْ بِهَا إِنَّ شَابَّةً يَهُودِيَّةً أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ نِسَاءِ الْأَرْضِ بِمَا فِيهَا نِسَاءُهُمْ، وَهَذَا أَمْرٌ لَنْ يَسُرَّهُمْ الْبَتَّةَ، لِذَلِكَ لَا شَكَّ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَنَّ الْقُرْآنَ فِعْلًا كَلَامُ اللَّهِ.

الْغَزَارَةُ الْعِلْمِيَّةُ الْهَائِلَةُ

إِنَّ الدَّارِسَ لِلْقُرْآنِ لَيَعْجَبُ مِنْ الْغَزَارَةِ الْعِلْمِيَّةِ الْهَائِلَةِ لِلْقُرْآنِ، حَيْثُ أَنَّهُ حَوَى إِشَارَاتٍ دَقِيقَةً مِنْ عُلُومٍ كَثِيرَةٍ جِدًّا يَصْعُبُ حَصْرُهَا، فَمَهْمَا كَانَ مَجَالُكَ الْعِلْمِيُّ، فَإِنَّهُ لَا شَكَّ يُبْهِرُكَ بِمَا تَحَدَّثَ عَنْهُ فِي مَجَالِكَ، وَهَذَا مَا جَعَلَنِي شَخْصِيًّا أُومِنُ بِأَنَّ الْقُرْآنَ لَا يُمْكِنُ بِحَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ أَنْ يَكُونَ كَلَامَ بَشَرٍ، لِأَنَّهُ مِنْ الْمُسْتَحِيلِ أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ عَالِماً بِعِلْمِ الِاجْتِمَاعِ، وَبِعِلْمِ النَّفْسِ، وَبِالْفِيزْيَاءِ وَالْكِيمْيَاءِ وَالْجُيُولُوجْيَا، وَعِلْمِ الْبِحَارِ، وَعِلْمِ الْفَلَكِ، وَالْمُنَاخِ، وَالنَّبَاتِ، وَالطِّبِّ، فِي آنٍ وَاحِدٍ، لِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِي بُدٌّ مِنْ الِاعْتِرَافِ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ، وَفِي مَا يَلِي أَعْرِضُ بَعْضَ الْآيَاتِ الَّتِي تُشِيرُ إِلَى عَظَمَةِ اللَّهِ وَأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ

ثُبُوتُ طَبَقَةِ الْأُوزُونِ فِي السَّمَاءِ

عِنْدَمَا دَرَسْتُ الْكِيمْيَاءَ تَعَلَّمْتُ أَنَّ جُزَيْئَ الْأُوزُونِ مُكَوَّنٌ مِنْ ثَلَاثِ ذَرَّاتٍ مِنْ الْأُكْسُجِينِ (وَزْنَ الْجُزَيْئِ 48 جِرَامٍ) وَأَنَّ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثَيْ الْهَوَاءِ مِنْ النَّتْرُوجِينِ (ذَرَّتَيْنِ مِنْ النَّتْرُوجِينِ وَزْنِ الْجُزَيْئِ 28 جِرَامٌ) وَالْبَاقِي جُلُّهُ مِنْ الْأُكْسُجِينِ (ذَرَّتَيْنِ مِنْ الْأُكْسُجِينِ وَزْنُ الْجُزَيْئِ 32 جِرَامٍ)  هَذَا يَعْنِي أَنَّ الْأُوزُونَ أَثْقَلُ مِنْ الْهَوَاءِ الْمُلَاصِقِ لِلْأَرْضِ، لِذَلِكَ الْمَفْرُوضُ أَنْ يَكُونَ الْأُوزُونُ هُوَ الْأَسْفَلُ وَلَيْسَ هُوَ الْأَعْلَى، وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ إِذَا عَلِمْنَا أَنَّ كَثَافَةَ الْأُوزُونِ أَعْلَى مِنْ كَثَافَةِ بَقِيَّةِ الْهَوَاءِ بِسَبَبِ الرَّوَابِطِ الَّتِي بَيْنَ الْجُزَيْئاتِ، وَالَّتِي هِيَ شِبْهُ مَعْدُومَةٍ بَيْنَ جُزَيْئَاتِ الْهَوَاءِ.

كَذَلِكَ تَعَلَّمْتُ مِنَ الْفِيزْيَاءِ أَنَّ مَا أَرَاهُ أَزْرَقًا، وَأُسَمِّيهِ السَّمَاءَ، لَيْسَ إِلَّا طَبَقَةَ الْأُوزُونِ تَعْكِسُ اللَّوْنَ الْأَزْرَقَ عِنْدَ سُقُوطِ أَشِعَّةِ الشَّمْسِ عَلَيْهَا، وَهُنَا يَبْرُزُ السُّؤَالُ: 

مَا الَّذِي يُمْسِكُ طَبَقَةَ الْأُوزُونِ فِي الْأَعْلَى، رَغْمَ كَوْنِهَا أَثْقَلَ وَأَكْبَرَ كَثَافَةً مِنْ بَقِيَّةِ الْهَوَاءِ ؟

هَذِهِ الظَّاهِرَةُ تَحَدَّثَ عَنْهَا الْقُرْآنُ لِيُرِيَنَا قُدْرَةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَعَجَزْنَا عَنْ التَّفْسِيرِ فِي قَوْلِهِ:

﴿اللَّهُ الَّذي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيرِ عَمَدٍ تَرَونَها ثُمَّ استَوى عَلَى العَرشِ وَسَخَّرَ الشَّمسَ وَالقَمَرَ كُلٌّ يَجري لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمرَ يُفَصِّلُ الآياتِ لَعَلَّكُم بِلِقاءِ رَبِّكُم توقِنونَ﴾ 

[الرعد: ٢]

فَحَتَّى الْآنَ لَا نَجِدُ تَفْسِيرًا مُقْنِعًا لِبَقَاءِ الْأُوزُونِ عَالِيًا .

نَقْصُ الْأُكْسُجِينِ كُلَّمَا ارْتَفَعْنَا فِي السَّمَاءِ

لَقَدْ أَخْبَرَ الْقُرْآنُ عَنْ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ، حَيْثُ قَالَ أَنَّ مَنْ يَصْعَدُ فِي السَّمَاءِ سَوْفَ يَكُونُ صَدْرُهُ ضَيِّقًا حَرَجًا، فِي قَوْلِهِ :

﴿فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهدِيَهُ يَشرَح صَدرَهُ لِلإِسلامِ وَمَن يُرِد أَن يُضِلَّهُ يَجعَل صَدرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجعَلُ اللَّهُ الرِّجسَ عَلَى الَّذينَ لا يُؤمِنونَ﴾ 

[الأنعام: ١٢٥]

وَالتَّفْسِيرُ الْعِلْمِيُّ لِذَلِكَ أَنَّهُ كُلَّمَا صَعِدَ الْإِنْسَانُ فِي السَّمَاءِ كُلَّمَا قَلَّ الْأُكْسُجِينُ وَبِالتَّالِي ضَاقَ الصَّدْرُ عَنِ اسْتِيعَابِ كَمِّيَّةٍ كَافِيَةٍ مِنْ الْهَوَاءِ تَحْوِي حَاجَةَ الْإِنْسَانِ مِنْ الْأُكْسُجِينِ، وَالسُّؤَالُ مَنْ أَخْبَرَ مُحَمَّدًا أَنْ مَنْ صَعِدَ فِي السَّمَاءِ سَيَكُونُ صَدْرُهُ ضَيِّقًا غَيْرُ اللَّهِ؟

مَرَاحِلُ تَطَوُّرِ الْجَنِينِ

مِنَ الْأَدِلَّةِ الْقَاطِعَةِ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ مَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ مَرَاحِلَ دَقِيقَةٍ لِتَكَوُّنِ الْجَنِينِ فِي رَحِمِ أُمِّهِ:

﴿وَلَقَد خَلَقنَا الإِنسانَ مِن سُلالَةٍ مِن طينٍ۝ثُمَّ جَعَلناهُ نُطفَةً في قَرارٍ مَكينٍ۝ثُمَّ خَلَقنَا النُّطفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقنَا العَلَقَةَ مُضغَةً فَخَلَقنَا المُضغَةَ عِظامًا فَكَسَونَا العِظامَ لَحمًا ثُمَّ أَنشَأناهُ خَلقًا آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحسَنُ الخالِقينَ﴾ 

[المؤمنون: ١٢-١٤]

لِأَنَّ هَذِهِ الْمَرَاحِلَ لَمْ يَتِمَّ اكْتِشَافُهَا إِلَّا حَدِيثًا بِالْوَسَائِلِ الْحَدِيثَةِ، فَمَنْ أَخْبَرَ مُحَمَّدًا بِهَذِهِ الْمَرَاحِلِ غَيْرُ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ ؟

دَوْرُ الرِّيَاحِ فِي تَلْقِيحِ السُّحُبِ وَالنَّبَاتَاتِ

كَانَ الِاعْتِقَادُ السَّائِدُ أَنَّ الْمَاءَ يَتَبَخَّرُ مِنْ الْأَرْضِ، فَإِذَا طَلَعَ فِي الْجَوِّ بَرُدَ، وَتَكَثَّفَ، فَيَنْزِلُ عَلَى شَكْلِ قَطَرَاتٍ، وَهَذَا الِاعْتِقَادُ غَيْرُ دَقِيقٍ تَمَامًا، فَالْمَاءُ يَحْتَاجُ جِسْمًا يَتَكَثَّفُ حَوْلَهُ، وَإِلَّا لَمَا تَمَّتْ عَمَلِيَّةُ تَحْوِيلِ الْمَاءِ مِنْ بُخَارٍ إِلَى سَائِلٍ، وَهَذَا مَا تَمَّ اكْتِشَافُهُ مُؤَخَّرًا، حَيْثُ تَقُومُ الرِّيَاحُ بِإِثَارَةِ ذَرَّاتِ الْغُبَارِ فِي الْجَوِّ فَتَتَكَثَّفُ حَوْلَهَا جُزَيْئَاتُ الْمَاءِ فَيُنْتَجُ الْمَاءُ، وَهَذَا مَا أَخْبَرَ بِهِ الْقُرْآنُ فِي:

﴿وَأَرسَلنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنزَلنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسقَيناكُموهُ وَما أَنتُم لَهُ بِخازِنينَ﴾ 

[الحجر: ٢٢]

كَمَا أَنَّ الرِّيَاحَ تَحْمِلُ حُبُوبَ اللِّقَاحِ بَيْنَ النَّبَاتَاتِ، فَتُسَاعِدُ بِذَلِكَ فِي اسْتِمْرَارِ الْغِطَاءِ النَّبَاتِيِّ، الْأَمْرُ الَّذِي يُسَاعِدُ فِي هُطُولِ الْأَمْطَارِ أَيْضًا، وَالسُّؤَالُ مَنْ أَخْبَرَ مُحَمَّدًا بِدَورِ الرِّيَاحِ هَذَا غَيْرُ اللَّهِ؟

فِي الْوَاقِعِ لَنْ نَسْتَطِيعَ حَصْرَ الْأَدِلَّةِ الْعِلْمِيَّةِ الَّتِي تُثْبِتُ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ، فَهِيَ فِي كُلِّ الْمَجَالَاتِ وَكَثِيرَةٌ لِلْغَايَةِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَكْفِي فِي أَثْبَاتِ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ فِعْلًا، حَيْثُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَصَّلَ إِلَيْهِ بِعَقْلِهِ وَأَبْحَاثِهِ، خُصُوصًا أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا أُمِّيًّا، بَيْنَ نَاسِ أُمِّيِّينَ جُلُّهُمْ لَا يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ.

الْأَدِلَّةُ الَّتِي تُثْبِتُ أَنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ كَلَامَ اللَّهِ

فِي الْوَاقِعِ عِندَ الْبَحْثِ عَنْ الْأَدِلَّةِ الَّتِي تَنْفِي أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ كَلَامَ اللَّهِ، نُلَاحِظُ أَمْرَيْنِ:

الْأَوَّلُ هُوَ تَجَاهُلُ جُلِّ الْأَدِلَّةِ الَّتِي تُثْبِتُ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ، وَكَأَنَّهَا غَيْرُ مَوْجُودَةٍ، وَهَذَا ضَعْفٌ فِي الِاسْتِدْلَالِ، لِأَنَّ مَنْ أَرَادَ اثْبَاتَ أَنَّ الْقُرْآنَ مِنْ تَأْلِيفِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ عَلَى الْأَدِلَّةِ الَّتِي تُثْبِتُ أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ أَوَّلًا، وَإِلَّا بَقِيَ هُنَاكَ شَرْخٌ مَنْطِقِيٌّ فِي الِاسْتِدْلَالِ

الثَّانِي أَنَّ مَا يُقَدَّمُ عِبَارَةٌ عَنْ شُبُهَاتٍ تَعْتَمِدُ عَلَى تَصَوُّرَاتٍ نَفْسِيَّةٍ عِنْدَ قَائِلِهَا، وَفِيمَا يَلِي بَيَانُ أَشْهَرِهَا

الْقُرْآنُ يَتَوَلَّى الدِّفَاعَ عَنْ مُحَمَّدٍ

يَقُولُ الْقَائِلُ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى:

﴿إِنّا أَعطَيناكَ الكَوثَرَ۝فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانحَر۝إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الأَبتَرُ﴾ 

[الكوثر: ١-٣]

تَلْفِيقٌ مِنْ مُحَمَّدٍ، لِأَنَّ اللَّهَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَرُدَّ عَلَى كُفَّارِ مَكَّةَ الَّذِينَ يَسُبُّونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

إِذَا دَقَقْنَا النَّظَرَ فِي الْخَلْفِيَّةِ الَّتِي تَنْطَلِقُ مِنْهَا هَذِهِ الشُّبْهَةُ نَجِدُ أَنَّهَا خَلْفِيَّةٌ تَحْتَقِرُ الْإِنْسَانَ فَهُوَ لَا قِيمَةَ لَهُ، وَلَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يَرُدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ الْخَلْفِيَّةُ هِيَ نِتَاجٌ طَبِيعِيٌّ لِلْإِلْحَادِ الَّذِي يَنْظُرُ إِلَى الْإِنْسَانِ كَمُجَرَّدِ وَسَخٍّ كِيمْيَائِيٍّ عَلَى الْأَرْضِ لَا مَعْنَى لِوُجُودِهِ أَصْلًا، لِذَلِكَ يَقُولُونَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ مَوْجُودٌ، لَمَا رَدَّ عَلَى الْبَشَرِ، لِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ ذَلِكَ

وَهَذِهِ النَّظْرَةُ لِلْإِنْسَانِ مُخَالِفَةٌ تَمَامًا لِقِيمَةِ الْإِنْسَانِ فِي الْقُرْآنِ، وَالَّتِي تُؤَكِّدُ أَنَّ الْإِنْسَانَ أَهَمُّ مَخْلُوقٍ فِي الْكَوْنِ، سَخَّرَ اللَّهُ لَهُ كُلَّ شَيٍّ فِيهِ لِيَقُومَ بِمُهِمَّةٍ عَظِيمَةٍ كَمَا سَبَقَ وَبَيَّنْتُ فِي أَهَمِّيَّةِ الْعِبَادَةِ، لِذَلِكَ تِلْكَ الْكَلِمَةُ الَّتِي يَقُولُهَا أَيُّ شَخْصٍ، هِيَ لَيْسَتْ كَلِمَةً عَابِرَةً تَمُرُّ دُونَ حِسَابٍ، بَلْ هِيَ عَظِيمَةٌ، وَصَاحِبُهَا سَوْفَ يُحَاسَبُ عَلَيْهَا وَلَنْ تُتْرَكَ سُدًى :

﴿أَيَحسَبُ الإِنسانُ أَن يُترَكَ سُدًى﴾ 

[القيامة: ٣٦]

وَعَلَيْهِ فَاللَّهُ سَوْفَ يُحاسِبُهُ عَلَيْهَا، إِحْقَاقًا لِلْحَقِّ، وَابْطَالًا لِلْبَاطِلِ، وَبِالتَّالِي فَلَا عَجَبَ وَلَا غَرْوَ أَنْ يَرُدَّ اللَّهُ عَلَى الظَّالِمِينَ .

الْقُرْآنُ يَذْكُرُ تَفَاصِيلَ حَيَاةِ مُحَمَّدِ الشَّخْصِيَّةِ

يَقُولُ الْقَائِلُ إِذَا كَانَ الْقُرْآنُ كَلَامَ اللَّهِ الْمُوَجِّهُ لِلنَّاسِ كَافَّةً، فَلِمَاذَا يُكَلِّمُنَا عَنْ تَفَاصِيلِ حَيَاةِ  مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَاطِفِيَّةِ؟

بِالطَّبْعِ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ غَيْرُ مُحَايِدٍ، فَهُوَ يُقَدِّمُ تَفْسِيرَاتٍ تُحَاوِلُ التَّقْلِيلَ مِنْ شَأْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ لَا تَعْدُو كَوْنَهَا تَكْشِفُ عَمَّا فِي نَفْسِهِ، فَمَا فِي نَفْسِكَ يَدُلُّكَ عَلَى النَّاسِ، لِذَلِكَ لَنْ أَهْتَمَّ بِمُنَاقَشَةِ تَفْسِيرَاتِهِ، وَسَاكْتَفِي بِجَوَابِ السُّؤَالِ فَأَقُولُ

إِنَّ الْإِسْلَامَ قَرَارٌ بِأَنْ يُسَلِّمَ الْمَرْءُ نَفْسَهُ لِلَّهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِمَا فِيهِ حَيَاتُهُ الْخَاصَّةُ، وَهُوَ عَمَلِيًّا يَكونُ بِاتِّبَاعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، بِمَا فِيهَا حَيَاتُهُ الْخَاصَّةُ.

وَلِكَيْ يَكُونَ الِاتِّبَاعُ مُمْكِنًا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَيَاتِهِ الْخَاصَّةِ رَجُلًا عَادِيًّا حَتَّى يَتَسَنَّى لِبَقِيَّةِ الرِّجَالِ اتِّبَاعُهُ، فَلَوْ كَانَ مَلَكًا لَمَا أَمْكَنَ اتِّبَاعُهُ، وَلِذَلِكَ قَدَّرَ اللَّهُ أَنْ يَقَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَا يَقَعُ فِيهِ الرِّجَالُ مِمَّا لَا يُخَالِفُ الْفِطْرَةَ فِي حَيَاتِهِمُ الْخَاصَّةِ، لِيُبَيِّنَ اللَّهُ لَهُ وَلِلْأُمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ كَيْفَ يَتَعَامَلُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الظُّرُوفِ.

فَمَثَلًا مِنْ الْمُمكِنِ أَنْ يُعْجَبَ رَجُلٌ بِزَوْجَةِ ابْنِهِ بِالتَّبَنِّي، فَمَاذَا يَفْعَلُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؟

يَأْتِي الْجَوَابُ بِأَنْ يَتَّبِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَسْعَى إِلَى طَلَاقِهَا مِنْ ابْنِهِ بِالتَّبَنِّي، وَلَكِنْ إِذَا طَلَّقَهَا ابْنُهُ بِالتَّبَنِّي بِرَغْبَتِهِ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَلَا حَرَجَ فِي ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ بَقَاءُ قَوْلِهِ تَعَالَى:

﴿وَإِذ تَقولُ لِلَّذي أَنعَمَ اللَّهُ عَلَيهِ وَأَنعَمتَ عَلَيهِ أَمسِك عَلَيكَ زَوجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخفي في نَفسِكَ مَا اللَّهُ مُبديهِ وَتَخشَى النّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخشاهُ فَلَمّا قَضى زَيدٌ مِنها وَطَرًا زَوَّجناكَها لِكَي لا يَكونَ عَلَى المُؤمِنينَ حَرَجٌ في أَزواجِ أَدعِيائِهِم إِذا قَضَوا مِنهُنَّ وَطَرًا وَكانَ أَمرُ اللَّهِ مَفعولًا﴾ 

[الأحزاب: ٣٧]

ضَرُورِيٌّ جِدًّا لِعِلَاجِ مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَاتِ، وَعَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ قِسْ مَا تَبَقَّى مِنْ آيَاتٍ فِي الْقُرْآنِ تَتَحَدَّثُ عَنْ حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

كُرَوِيَّةُ الْأَرْضِ

يَقُولُ قَائِلٌ أَنَّ الْقُرْآنَ فِيهِ خَطَأٌ، فَهُوَ قَالَ أَنَّ الْأَرْضَ مُسَطَّحَةٌ فِي قَوْلِهِ:

﴿وَإِلَى الأَرضِ كَيفَ سُطِحَت﴾ 

[الغاشية: ٢٠]

فِي حِينِ أَنَّنَا نَعْلَمُ جَمِيعًا أَنَّ الْأَرْضَ كُرَوِيَّةٌ، لِذَلِكَ لَوْ كَانَ الْقُرْآنُ كَلَامَ اللَّهِ، لَمَا قَالَ أَنَّ الْأَرْضَ مُسَطَّحَةٌ.

تَعْتَمِدُ الشُّبْهَةُ السَّابِقَةُ عَلَى مُغَالَطَةٍ مَنْطِقِيَّةٍ مُفَادُهَا أَنَّ مُسَطَّحَةً عَكْسُ كُرَوِيَّةٍ، وَبِالتَّالِي قَوْلُنَا أَنَّ الْأَرْضَ مُسَطَّحَةٌ هَذَا يَعْنِي أَنَّهَا لَيْسَتْ كُرَوِيَّةً، وَهَذِهِ مُغَالَطَةٌ عِنْدَ تَدْقِيقِ النَّظَرِ، فَكَوْنُ الْأَرْضِ مُسَطَّحَةً هَذَا يَعْنِي أَنَّ لَهَا سَطْحًا، وَبِالْفِعْلِ لِلْأَرْضِ سَطْحٌ نَعِيشُ عَلَيْهِ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ ؟

لَكِنْ مَا هُوَ الشَّكْلُ الْهَنْدَسِيُّ لِهَذَا السَّطْحِ؟

هَلْ هُوَ دَائِرِيٌّ؟

أُسْطُوَانِيٌّ؟

مُكَعَّبٌ ؟

أَمْ كُرَوِيٌّ؟

لِذَلِكَ لَا تَنَاقُضَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مُسَطَّحَةً، وَلَهَا شَكْلٌ كُرَوِيٌّ فِي نَفْسِ الْوَقْتِ، وَهَذَا التَّنَاقُضُ الْمَزْعُومُ سَبَبُهُ قِصَرُ نَظَرِ مَنْ يَفْتَرِضُهُ.

السَّمَاءُ غَازَاتٌ وَلَيْسَتْ جِسْمًا قَابِلًا لِلشَّقْ

يَقُولُ قَائِلٌ أَنَّ السَّمَاءَ غَازَاتٌ وَبِالتَّالِي فَهِيَ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلشَّقِّ لِذَلِكَ قَوْلُ الْقُرْآنِ :

﴿إِذَا السَّماءُ انشَقَّت﴾ 

[الانشقاق: ١]

وَالْآيَاتُ الَّتِي بِنَفْسِ الْمَعْنَى أَكِيدٌ خَطَأٌ وَاضِحٌ، وَبِالتَّالِي هِيَ لَيْسَتْ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ خَالِقِ الْكَوْنِ كُلِّهِ

الْجَوَابُ عَلَى الِاعْتِرَاضِ مِنْ وَجْهَيْنِ

الْأَوَّلُ أَنَّ كَلِمَةَ السَّمَاءِ وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ بِمَعْنَيَيْنِ، الْمَعْنَى الأول الْكَوْنُ كُلُّهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى:

﴿وَلَقَد زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنيا بِمَصابيحَ وَجَعَلناها رُجومًا لِلشَّياطينِ وَأَعتَدنا لَهُم عَذابَ السَّعيرِ﴾ 

[الملك: ٥]

وَهَذِهِ نَحْنُ لَا نَسْتَطِيعُ رُؤْيَتَهَا فَأَقْصَى مَا نَرَاهُ هُوَ النُّجُومُ الْبَعِيدَةُ وَاَلَّتِي هِيَ زِينَتُهَا، وَبِالتَّالِي لَا وَجْهَ لِلِاعْتِرَاضِ

الْمَعْنَى الثَّانِي هِيَ طَبَقَةُ الْأُوزُونِ الَّتِي نَرَاهَا وَالَّتِي هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ غَازٍ مُتَكَوِّنِ مِن الْأُكْسُجِينِ، وَلَكِنَّ الَّذِي فَاتَ عَلَى الْمُعْتَرِضِ أَنَّ هَذِهِ الطَّبَقَةَ بَيْنَهَا تَرَابُطٌ قَوِيٌّ بَيْنَهَا، بِسَبَبِ طَبِيعَةِ الرَّوَابِطِ بَيْنَ الذَّرَّاتِ، حَيْثُ عِنْدَنَا ذَرَّةٌ مُوجِبَةٌ فِي الْمُنْتَصَفِ وَذَرَّتَيْنِ تَتَقَاسَمَانِ شُحْنَةً  سَالِبَةً.

جزيء الأوزون

وَلِذَلِكَ تَبْدُو كَالْجِسْمِ الْمُتَرَابِطِ وَمِنْ ثَمَّ يُمْكِنُ شَقُّهُ وَخَرْقُهُ وَثَقْبُهُ، وَالْمُتَابِعُ لِأَحْوَالِ الْمُنَاخِ لَابُدَّ أَنَّهُ سَمِعَ عَنْ ثُقْبِ الْأُوزُونِ، وَمَا دَامَ حَصَلَ الثُّقْبُ، فَإِنَّ الشَّقَّ مُمْكِنٌ .

أَجْنِحَةُ الْمَلَائِكَةِ

يَقُولُ قَائِلٌ أَنَّ الْقُرْآنَ قَطْعًا لَيْسَ كَلَامَ اللَّهِ لِأَنَّ مُحَمَّداً ذَكَرَ فِيهِ أَنَّ لِلْمَلَائِكَةِ أَجْنِحَةً فِي قَوْلِهِ:

﴿الحَمدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالأَرضِ جاعِلِ المَلائِكَةِ رُسُلًا أُولي أَجنِحَةٍ مَثنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزيدُ فِي الخَلقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ﴾ 

[فاطر: ١]

وَلَا فَائِدَةَ لِلْأَجْنِحَةِ إِذَا لَمْ يُوجَدْ الْهَوَاءُ، وَفِي السَّمَاءِ لَا يُوجَدُ الْهَوَاءُ، لِذَلِكَ لَا فَائِدَةَ لِلْأَجْنِحَةِ.

وَالْحَقِيقَةُ أَنَّ هَذَا الْمُتَكَلِّمَ يَفْتَرِضُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ أَجْسَامٌ مَادِّيَّةٌ، وَهُوَ افْتِرَاضٌ بَاطِلٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَجْسَامًا مَادِّيَّةً كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَمَا دَامَتْ غَيْرَ مَادِّيَّةٍ فَإِنَّ مَاهِيَّةَ أَجْنِحَتِهَا، وَالْفَائِدَةَ مِنْهَا كُلُّ ذَلِكَ مَسَائِلُ غَيْبِيَّةٌ، وَلَا مَعْنَى لِاعْتِرَاضِ الْمُعْتَرِضِ.

كَيْفَ يُعْقَلُ أَنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ لِمُسْتَوَى أَبِي لَهَبٍ؟

تَقُولُ هَذِهِ الشُّبْهَةُ أَنَّهُ لَا يُعْقَلُ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ جَلَالُهُ يَتَنَزَّلُ لِمُسْتَوَى أَبِي لَهَبٍ، فَيُخَاطِبُهُ بِاسْمِهِ، وَيُكْنِّي زَوْجَتَهُ، كَمَا وَرَدَ فِي سُورَةِ الْمَسَدِّ:

﴿تَبَّت يَدا أَبي لَهَبٍ وَتَبَّ۝ما أَغنى عَنهُ مالُهُ وَما كَسَبَ۝سَيَصلى نارًا ذاتَ لَهَبٍ۝وَامرَأَتُهُ حَمّالَةَ الحَطَبِ۝في جيدِها حَبلٌ مِن مَسَدٍ﴾ 

[المسد: ١-٥]

وَالْجَوَابُ عَلَى هَذِهِ الشُّبْهَةِ يَكْمُنُ مِنْ عِدَّةِ وُجُوهٍ:

أَوَّلًا الطَّبِيعَةُ الْعَمَلِيَّةُ لِلْقُرْآنِ، فَهُوَ لَيْسَ بِكِتَابٍ نَظَرِيٍّ بَحْتٍ، وَإِنَّمَا يَتَنَزَّلُ عَلَى أَحْدَاثٍ بِعَيْنِهَا، وَلِكَوْنِهِ مُوَجَّهٌ لِلْبَشَرِ فَهُوَ سَوْفَ يُخَاطِبُهُمْ وَإِذَا اقْتَضَى الْأَمْرُ بِأَسْمَائِهِمْ، فَيَكُونُونَ بِذَلِكَ شَاهِدًا حَيًّا عَلَى طَبِيعَةِ الْقُرْآنِ الْعَمَلِيَّةِ.

ثَانِيًا لِبَيَانِ خُطُورَةِ الْكَلِمَةِ، فَسَبَبُ نُزُولِ السُّورَةِ هُوَ كَوْنُ أَبِي لَهَبٍ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَعَا قُرَيْشاً وَأَنْذَرَهُمْ

تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ

فَكَانَ بِذَلِكَ أَبَا لَهَبٍ هُوَ أَوَّلُ مَنْ أَعْلَنَ الْعَدَاءَ لِلْإِسْلَامِ، وَمِنْ ثَمَّ فَكُلُّ مَنْ حَارَبَ الْإِسْلَامَ بَعْدَهُ مُتَّبَعٌ لَهُ، فَهُوَ مَنْ فَتَحَ لَهُمْ طَرِيقَ مُعَادَاتِ الْإِسْلَامِ، فَاسْتَحِقَّ بِذَلِكَ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَاتِ

ثَالِثًا هَذِهِ السُّورَةُ بِالذَّاتِ مِنْ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ جَلَّ جَلَالُهُ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكْتُمْ مِنْهُ شَيْئًا، فَأَبُو لَهَبٍ عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَانَ يُحِبُّهُ جِدًّا مِثْلُهُ مِثْلُ أَبِي طَالِبٍ، فَنُزُولُ هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي هِيَ وَصْمَةُ عَارٍ عَلَى أَبِي لَهَبٍ وَمَنْ بَعْدِهِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ كَانَتِ اخْتِبَارًا قَوِيًّا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُحَمَّدٌ فَعَلَا رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَمَا أَعْلَنَ عَنْ هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي بِلَا شَكٍّ سَوْفَ تُسَبِّبُ لَهُ الْحَرَجَ الْكَبِيرَ مَعَ بَنِي هَاشِمٍ الَّذِي هُمْ مَنْ يَقُومُ بِحِمَايَتِهِ مِنْ بَقِيَّةِ قُرَيْشٍ الَّذِي يُحارِبونَهُ.

هَذَا أَهَمُّ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ الشُّبُهَاتِ الَّتِي يَتَصَوَّرُ أَصْحَابُهَا أَنَّهَا أَدِلَّةٌ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ كَلَامَ اللَّهِ، وَهِيَ كُلُّهَا بَاطِلَةٌ بَيِّنَةُ الْبُطْلَانِ، بِخِلَافِ الْأَدِلَّةِ الصَّرِيحَةِ الَّتِي تُثْبِتُ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ، وَاَلَّتِي ذَكَرْتُ بَعْضَهَا آنِفًا، لِذَلِكَ نَسْتَنْتِجُ أَنَّ الْقُرْآنَ فِعْلًا كَلَامُ اللَّهِ، وَعَلَيْهِ فَإِنَّ مُحَمَّدًا بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فِعْلًا رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَنَّ الْأَسْلَامَ هُوَ الدِّينُ الْوَحِيدُ الْمَرْضِيُّ عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَأَنْتَ أَمَامَ الْخِيَارَينِ التَّالَِيَيْنِ:

﴿وَقُلِ الحَقُّ مِن رَبِّكُم فَمَن شاءَ فَليُؤمِن وَمَن شاءَ فَليَكفُر إِنّا أَعتَدنا لِلظّالِمينَ نارًا أَحاطَ بِهِم سُرادِقُها وَإِن يَستَغيثوا يُغاثوا بِماءٍ كَالمُهلِ يَشوِي الوُجوهَ بِئسَ الشَّرابُ وَساءَت مُرتَفَقًا۝إِنَّ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ إِنّا لا نُضيعُ أَجرَ مَن أَحسَنَ عَمَلًا۝أُولئِكَ لَهُم جَنّاتُ عَدنٍ تَجري مِن تَحتِهِمُ الأَنهارُ يُحَلَّونَ فيها مِن أَساوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلبَسونَ ثِيابًا خُضرًا مِن سُندُسٍ وَإِستَبرَقٍ مُتَّكِئينَ فيها عَلَى الأَرائِكِ نِعمَ الثَّوابُ وَحَسُنَت مُرتَفَقًا﴾ 

[الكهف: ٢٩-٣١]

أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُرِيَنَا الْحَقَّ حَقًّا، وَأَنْ يَرْزُقَنَا اتِّبَاعَهُ، وَأَنْ يُرِيَنَا الْبَاطِلَ بَاطِلًا، وَأَنْ يَرْزُقَنَا اجْتِنَابَهُ، وَآخَرُ دَعْوَانًا أَن الْحَمْدَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

تحميل المقال بصيغة pdf

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-