كيف نفهم القرآن والسنة

ذَكرت فِي المقَال السَّابق أَننِي سَوْف أُقدِّم الإسْلام الصحِيح مِن خِلَال اَلقُرآن والسُّنَّة لِكيْ نتَّبعه ، فيتحَقَّق وَعْد اَللَّه لَنَا بِالنَّصْر والتَّمْكين ، كمَا تَحقَّق لصدْر هَذِه اَلأُمة ، وَلكِن كَيْف سَوْف أَفهَم اَلقُرآن والسُّنَّة فهْمًا صحيحًا ؟

بِمعْنى آخر ، مَا الذِي يَضمَن أَننِي أنَا ، وأنْتَ أَيهَا القارئ ، سَوْف نَفهَم اَلقُرآن والسُّنَّة الفهْم اَلسلِيم ، فِي حِين أنَّ كثيرًا مِن طَوائِف اَلأُمة الموْجودة اليوْم ضَلَّت عَنْه ، على الرَّغْم مِن كَوَّن كُلُّ طَائِفة مِن طَوائِف اَلأُمة تَزعُم أَنهَا تَتبع اَلقُرآن والسُّنَّة ، وتنادي بِاتِّبَاع اَلقُرآن والسُّنَّة ، فكيْف إِذن سنضْمن أَننَا لَن نقع فِيمَا وَقعُوا فِيه مِن وَهْم ، وأنَّنَا فِعْلا سَوْف نَصِل إِلى المعْنى اَلصحِيح لِلْقرْآن والسُّنَّة ، وَمِن ثمَّ نَبنِي تصوُّرًا صحيحًا عن الإسْلام ؟

فِي هذَا المقَال سَوْف أُجيب على هذَا السُّؤَال وَذلِك عَبْر المحاور التَّالية : 

التَّجَرُّد مِن كُلِّ شَيْء 

فهم القرآنَ والسنة

إِذَا أَمعَنت النَّظر فِي فِرق هَذِه اَلأُمة ، فَإنَّك لا شك سَوْف تُلَاحِظ مدى الاخْتلاف اَلكبِير بيْنهَا ، اَلذِي فِي أَحيَان كَثِيرَة يَصِل إِلى حدِّ التَّناقض ، وَفِي نَفْس الوقْتِ سَوْف تُلَاحِظ أنَّ كُلَّ الفرق تَزعُم أَنهَا تَتبع اَلقُرآن والسُّنَّة ، مُبتغيَة لِمرْضَاة اَللَّه جلَّ جلاله ، مِمَّا يَطرَح السُّؤَال التَّالي : 

كَيْف لِهَذه الفرق أن تَختَلِف هذَا الاخْتلاف اَلشدِيد ، وَهِي تَنطَلِق كُلهَا مِن اَلقُرآن والسُّنَّة ؟ 

هل لِكَون طَبِيعَة نُصُوص الوحْي قُرْآنًا وَسنَة تُؤدِّي إِلى الاخْتلاف ؟ 

أم أنَّ هُنَاك سبب آخر وَرَاء هذَا الاخْتلاف ، وأنَّ الدَّعْوى بِاتِّبَاع اَلقُرآن والسُّنَّة دَعوَى غَيْر صَحِيحَة فِي جَوهرِها ، بِالرَّغْم مِن كَوْن أَهلَها يعْتقدون أَنهَا صَحِيحَة ؟ 

بِالنِّسْبة لِلاحْتمال الأوَّل ، وَهُو كَوَّن طَبِيعَة نُصُوص الوحْي طَبِيعَة مَرنَة تُؤدِّي إِلى الاخْتلاف ، فَهُو اِحتِمال مَرفُوض تمامًا ، لِأنَّ رَبنَا قال بِشَكل صريح :

﴿وَما أَنزَلنا عَلَيكَ الكِتابَ إِلّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اختَلَفوا فيهِ وَهُدًى وَرَحمَةً لِقَومٍ يُؤمِنونَ﴾  

[النحل: ٦٤]

وَقَالَ أَيْضًا 

﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا أَطيعُوا اللَّهَ وَأَطيعُوا الرَّسولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم فَإِن تَنازَعتُم في شَيءٍ فَرُدّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسولِ إِن كُنتُم تُؤمِنونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ ذلِكَ خَيرٌ وَأَحسَنُ تَأويلًا﴾  

[النساء: ٥٩]

فَعُلِم يقينًا أنَّ هذَا الوحْي أُنزَل لِبيان مَا اِختلَف فِيه ، وَأنَّه الفيْصل عِنْد النِّزَاع ، لِذَلك يَستحِيل أن يَكُون مَصْدَرا لِلاخْتلاف ، لِأنَّ فِي ذَلِك تَكذِيب صريح لِلْقرْآن ، وَإلَّا فأخْبرني كَيْف تَجمَع بَيْن الآيَات السَّابقة ، وأن يَكُون الوحْي مَصْدَرا لِلاخْتلاف فِي تَعلِيق .

مُلَاحظَة : فِي نِهاية هذَا المحْور ، سَوْف نُدْرِك لِماذَا يرى البعْض أنَّ اَلقُرآن والسُّنَّة فِعْلا مَصدَر لِلاخْتلاف ، بِالرَّغْم مِن الآيَات السَّابقة وَغيرِها اَلتِي تُؤكِّد أنَّ الوحْي قُرْآنًا وَسنَة أُنزَل لِبيان مَا اِختلَف فِيه ، وَأنَّه نُور ، وَهدَى ، وَتفصِيل لِكلِّ شَيْء .

بَقِي الاحْتمال الثَّاني وَهُو أنَّ يَكُون النَّاس غَيْر مُتَّبعِين فِي حقيقتهم لِلْقرْآن والسُّنَّة كمَا يَزعُمون ، ولكنَّهم لََا يَشعُرون بِذَلك ، وَهذَا مَا سَوْف أُبَينه فِي مَا يَلِي ، فَأقُول مُسْتعينًا بِاللَّه : 

إِنَّ هذَا الوحْي قُرْآنًا وَسنَة مَفعُوله يَختَلِف حسب طَبِيعَة القارئ ، أيْ أنَّ لَه مَفعُولا مُزْدوِجًا ، فتأْثيره على اَلمُؤمن ، يَختَلِف عن تأْثيره على الكافر ، ودليل ذَلِك قَولُه تَعالَى :

﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ وَلا يَزيدُ الظّالِمينَ إِلّا خَسارًا﴾ 

[الإسراء: ٨٢] 

فَهُو نَفْس اَلقُرآن ، وَلكِن مَفعُوله كان مُخْتلِفًا جِدًّا ، فَهُو شِفَاء وَرحْمَة لِلْمؤْمنين ، وَفِي نَفْس الوقْتِ يزيد الظَّالمين خسارَا ، ونفْس المفْعول المزْدوج يُظْهِر فِي قَولِه تَعالَى : 

﴿وَإِذا ما أُنزِلَت سورَةٌ فَمِنهُم مَن يَقولُ أَيُّكُم زادَتهُ هذِهِ إيمانًا فَأَمَّا الَّذينَ آمَنوا فَزادَتهُم إيمانًا وَهُم يَستَبشِرونَ۝وَأَمَّا الَّذينَ في قُلوبِهِم مَرَضٌ فَزادَتهُم رِجسًا إِلى رِجسِهِم وَماتوا وَهُم كافِرونَ﴾ 

[التوبة: ١٢٤-١٢٥] 

فَهِي نَفْس السُّورة ، وَلكِن مفْعولهَا مُخْتَلِف تمامًا ، فَهِي تزيد المؤْمنين إِيمانًا ، وَهُم يسْتبْشرون بِهَا ، وَفِي الوقْتِ نَفسِه ، تزيد المنافقين رِجْسًا إِلى رِجْسهم . 

إِذَا قرأْنَا قَوْل اَلحَق سُبْحانه :

﴿إِنَّمَا المُؤمِنونَ الَّذينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَت قُلوبُهُم وَإِذا تُلِيَت عَلَيهِم آياتُهُ زادَتهُم إيمانًا وَعَلى رَبِّهِم يَتَوَكَّلونَ﴾ 

[الأنفال: ٢]

وَقَرأنَا قَولَه جلَّ جلاله : 

﴿قُل يا أَهلَ الكِتابِ لَستُم عَلى شَيءٍ حَتّى تُقيمُوا التَّوراةَ وَالإِنجيلَ وَما أُنزِلَ إِلَيكُم مِن رَبِّكُم وَلَيَزيدَنَّ كَثيرًا مِنهُم ما أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَبِّكَ طُغيانًا وَكُفرًا فَلا تَأسَ عَلَى القَومِ الكافِرينَ﴾ 

[المائدة: ٦٨]

فَإِننَا نرى نَفْس التَّأْثير المخْتلف ، فالْوَحْي يزيد المؤْمنين إِيمانًا ، ويزيد الكافرين كُفْرًا ، مِمَّا يَعنِي أنَّ الوحْي يزيد الشَّخْص تمسُّكًا بِمَا يَعتقِده ، بِغضِّ النَّظر عن صَلَاح أو فَسَاد مَا يَعتقِده ، ويؤكِّد هذَا قَولُه تَعالَى :

﴿وَلا تَسُبُّوا الَّذينَ يَدعونَ مِن دونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدوًا بِغَيرِ عِلمٍ كَذلِكَ زَيَّنّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُم ثُمَّ إِلى رَبِّهِم مَرجِعُهُم فَيُنَبِّئُهُم بِما كانوا يَعمَلونَ﴾ 

[الأنعام: ١٠٨]

فَاَللَّه زَيَّن لِكلِّ شَخْص مَا يَقُوم بِه مِن عمل ، بِغضِّ النَّظر عن صَلَاح العمل مِن فَسادِه .

هذَا يَعنِي أَنَّه إِذَا تبنَّيْتُ فِكْرَة مَا ، ثُمَّ أتيْتُ إِلى الوحْي باحثًا عَمَّا يُؤَيدهَا ، فَإننِي وَبلَا شكٍّ سَوْف أَجِد مِن الآيَات أو الأحاديث مَا سَوْف يُخيَّل إِليَّ أَنَّه دليل على صَوَاب فِكْرتي ، فأزْدَاد تمسُّكًا بِهَا ، بِغضِّ النَّظر عن طَبِيعَة هَذِه الفكْرة ، هل هِي صَوَاب أُمِّ خطأ ، وَهذَا يَعنِي أَننِي فِي الحقيقة مُتبَع لِهواي دُون أن أَشعُر ، وأغلِّف ذَلِك بِأنَّني أَتبِع الوحْي فِيمَا أَتصَور ، لِأنَّني لِمَا قَرأَت اَلقُرآن والسُّنَّة ، زاداني تمسُّكًا بِفكْرَتي اَلتِي اِعْتقدتْهَا سلفًا . 

طَبعا غَيرِي مِمَّن لَم يَتبَن نَفْس الفكْرة الموْجودة عِنْدِي سلفًا ، لَن يَجِد فِي اَلقُرآن والسُّنَّة مَا أَجدُه أنَا ، وبالتَّالي فسوْف يَختَلِف مَعِي ، ويراني مُتَّبعًا لِلْهوى ، أَستَدل بِآيات لَيْس فِيهَا دليل على صَوَاب فِكْرتي ، وَهذَا مَا يَحدُث بِالضَّبْط مع فِرق اَلأُمة ، فَكُل فِرْقَة تَنطَلِق مِن فِكْرَة مُعَينَة ، ثُمَّ تَبحَث فِي نُصُوص الوحْي عَمَّا يَدعَم فِكْرتَهَا ، وَالذِي سَوْف يُخيَّل إِليْهَا أَنهَا وجدَّته بِالْفِعْل ، فتزْدَاد تمسُّكًا بِفكْرتهَا اَلتِي صَارَت مُعتمدَة على اَلقُرآن والسُّنَّة بِالنِّسْبة لَهَا ، وَمِن ثمَّ هِي اَلحَق اَلذِي لََا شكَّ فِيه .

بيْنمَا تَبقَى بَقيَّة الفرق اَلتِي لَم تَتبَن نَفْس الفكْرة ، ترى هَذِه الفرْقة ضَالَّة ، مُتبعَة لِهواهَا ، تُحرِّف اَلكَلِم عن مَواضِعه لِتوافق هواهَا ، وَمِن ثمَّ يَبقَى الخلَاف قائمًا إِلى اليوْم ، والْكلُّ يَدعِي اِتِّباع اَلقُرآن والسُّنَّة .

إِذَا فَهمَت مَا سبق ، أَعتَقد أَنَّك أَدرَكت أنَّ :

سبب الضَّلَال يَكمُن فِي اِختِلاق فِكْرَة مَا ، ثُمَّ البحْث عَمَّا يُعَضدهَا مِن اَلقُرآن والسُّنَّة .

ونظرًا لِكوْنِنَا جُزْء مِن هَذِه اَلأُمة ، فقد نَكُون واقعَيْنِ فِي نَفْس مَا وَقعَت فِيه الفرق اَلأُخرى دُون أن نَشعُر ، فَفِي الغالب أنَا وأنْتَ ، كُلٌّ وَاحِد مِنَّا يَنتَمِي لِفرْقة مَا ، وَرِثهَا عن والدَيْه ، ويعْتَقد أنَّ هَذِه الفرْقة هِي الفرْقة النَّاجية ، لِذَلك كُلٌّ وَاحِد مِنَّا عِنْدمَا يَقرَأ الوحْي ، سَوْف يَزْداد تمسُّكًا بِمَا عِنْده ، بِغضِّ النَّظر عن كَونِه حقًّا ، أم باطلا .

مِمَّا يَستلْزِم مِنَّا مُرَاجعَة حَقيقِية لِمَا نَعتقِده ، فَقْد نَكُون على بَاطِل ونحْن نَحسُب أَننَا على حقٍّ ، فَنكُون مِمَّن قال اَللَّه فِيهم : 

﴿قُل هَل نُنَبِّئُكُم بِالأَخسَرينَ أَعمالًا۝الَّذينَ ضَلَّ سَعيُهُم فِي الحَياةِ الدُّنيا وَهُم يَحسَبونَ أَنَّهُم يُحسِنونَ صُنعًا﴾ 

[الكهف: ١٠٣-١٠٤] 

هَذِه المراجعة لِكيْ تُؤْتِي ثِمارَهَا يَجِب أن نَتَخلَّى عن كُلِّ مَا نَعتقِده سلفًا ، ونقْبل على الوحْي كالصَّفْحة البيْضاء ، فَيكُون الوحْي هُو مَصدَر كُلِّ شَيْء بِالنِّسْبة لَنَا .

وَهذَا بِالضَّبْط مَا حدث مع الصَّحابة رَضْوان اَللَّه عَليهِم ، فَبمُجرد إِسلَام الواحد مِنْهم ، يَتَخلَّى عن جميع مَا عِنْده مِن تُرَاث وتصوُّر ، ويقْبل على الوحْي كالصَّفْحة البيْضاء ، يَتَعلَّم مِنْه كُلَّ شَيْء ، أخْلاقه ، ثقافَته ، تصوُّراته عن نَفسِه ، وعن الحيَاة ، مِقيَاس الجمَال والْقبْح ، وَكُل شَيْء مَهمَا كان صغيرًا ، أم كبيرًا ، فكانوا بِذَلك مُتَّبعِين لِلْقرْآن والسُّنَّة حقًّا . 

إِنَّ التَّجَرُّد مِن كُلِّ شَيْء ، وَتسلِيم النَّفْس لِلَّه تسْليمًا مُطْلقًا هُو الإيمان ، وَهُو الشَّرْط فِي أن يَكُون اَلقُرآن والسُّنَّة هُدَى وَرحْمَة وَبُشرَى ، وَهذَا مَا عَبَّر عَنْه الصَّحابة رَضْوان اَللَّه عَليهِم حِين قال قائلهم : 

كُنَّا مع اَلنبِي صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم ونحْن فِتْيَان حَزَاورَة ، فتعلَّمْنَا الإيمان قَبْل أن نَتَعلَّم اَلقُرآن ، ثُمَّ تُعَلمنَا اَلقُرآن ، فازْددْنَا بِه إِيمانًا .

لِأنَّ اَللَّه لََا يَقبَل الشِّرْك ، فلَا بُدَّ أن يُسلِّم المرْء لِلَّه كُلِّ شَيْء ، فلَا يَكُون هُنَاك مُعتَقَد ، أو تَصوُّر لَيْس اَلقُرآن والسُّنَّة مَصْدَره ، وَإلَّا فَإِن الوحْي لَن يَهدِي الشَّخْص ، بل سيزيده فِي ضَلالِه وغيِّه والْعياذ بِاللَّه .

إِنَّ التَّجَرُّد مِن كُلِّ شَيْء لِكيْ يَتِم ، يَحْتاج إِلى تَوفِيق مِن اَللَّه أوَّلا ، ثُمَّ صدق مع النَّفْس ، فهناك تَحيُّز فطْرِي لِمَا نَعتقِده سلفًا ، وبالتَّالي فَإِننَا فِي الغالب نَخفُق فِي التَّجَرُّد مِنْه عِنْدمَا نَبدَأ البحْث ، وَلكِن إِن شاء اَللَّه بِالصِّدْق مع اَللَّه فِي طلب الهداية ، فَإِننَا سَوْف نَنجَح فِي التَّجَرُّد مِن كُلِّ شَيْء ، وَفِي تَسلِيم أَنفسِنا لِلَّه ، وَذلِك لِكَون اَللَّه وعد بِهداية مِن أَنَاب إِلَيه فِي قَولِه :

﴿وَيَقولُ الَّذينَ كَفَروا لَولا أُنزِلَ عَلَيهِ آيَةٌ مِن رَبِّهِ قُل إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشاءُ وَيَهدي إِلَيهِ مَن أَنابَ﴾  

[الرعد: ٢٧]

فعليْك بِسؤال اَللَّه أن يَرزُقك صِدْق الإنابة إِلَيه ، وأبشَّر فَاَللَّه لََا يُخلِّف الميعاد . 

فِي بَحْث كَيْف نَكُون مُسْلمِين حقًّا خُطوات عَمَليَّة لِلتَّجَرُّد مِن كُلِّ شَيْء ، أَنصَحك بِمراجعته . 

قِبل أن أَختِم هذَا المحْور ، أودُّ أنَّ أريك مِثالا حيًّا على كَيْف يزيد اَلقُرآن والسُّنَّة النَّاس تمسُّكًا بِمَا عِنْدهم مِن بَاطِل ظَاهِر البطلان فَأقُول :

سبق وذكرت بَعْض الآيَات اَلتِي تَدُل على أنَّ الوحْي قُرْآنًا وَسنَة أنزِل لِبيان مَا اِختلَف فِيه ، وَأنَّه نُور ، وَهدَى ، وَتفصِيل لِكلِّ شَيْء ، وَلكِن بِالرَّغْم مِن كُلِّ تِلْك الآيَات الكثيرة ، يَعتَقِد كثير مِن النَّاس أنَّ الوحْي مُشكِل ، وَسبَب لِلاخْتلاف ، ويدلِّلون على ذَلِك بِحديث بُنِي قُريْظَة : 

عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنَا لَمَّا رَجَعَ مِنَ الأَحْزَابِ: «لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ العَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ» فَأَدْرَكَ بَعْضَهُمُ العَصْرُ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي، لَمْ يُرَدْ مِنَّا ذَلِكَ، فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ 

[البخاري ,صحيح البخاري ,2/15]

وأنَّ الصَّحابة رَضْوان اَللَّه عَليهِم اِخْتلفوا فِي مُرَاد اَلنبِي صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم . 

وبفرْض أنَّ مَا قَالُوه صحيح - وَهُو لَيْس كَذلِك عِنْد التَّحْقيق ، فَسبَب اِخْتلافهم هُو ظُرُوف الغزْوة - لََا يَكُون هذَا اَلحدِيث اَلوحِيد هُو القاعدة ، وآلاف الآيَات والْأحاديث اَلتِي لَم يَختَلِف فِيهَا الصَّحابة رَضْوان اَللَّه عَليهِم هِي الاسْتثْناء ، وَلكِن اَللَّه أَعمَى قُلوبهم عن كُلِّ تِلْك الآيَات والْأحاديث الكثيرة جِدًّا ، اَلتِي لَم تَكُن مَصْدَرا لِلاخْتلاف ، وتمسَّكوا بِحديث بُنِي قُريْظَة وَحدَه ، فَتَحقَّق بِذَلك قَوْل اَللَّه سُبْحانه وَتَعالَى فِيهم :

وَلَيَزيدَنَّ كَثيرًا مِنهُم ما أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَبِّكَ طُغيانًا وَكُفرًا 

الإسْلام واسْتحْضار مَعْنَاه 

سبق فِي المحْور السَّابق بَيَان أنَّ اَلقُرآن والسُّنَّة لَن يُفيد غَيْر المؤْمنين ، لِذَلك الصَّحابة عِنْدمَا آمنوا زَادُهم الوحْي إِيمانًا ، هذَا يَعنِي أَنَّه عليْنَا أن نُؤْمِن أوَّلا الإيمان الصحِيح ، وَمِن ثمَّ فَإِننَا نَستحْضِر مَعنَى الإسْلام عِنْد فَهْم اَلقُرآن والسُّنَّة ، فأيُّ تَفسِير مُحتَمَل لِلْآية ، أو اَلحدِيث ، إِذَا كان مُناقِضًا لِحقيقة الإسْلام اَلتِي نعْرفهَا مُسْبقًا ، فَإنَّه مَرفُوض تمامًا . 

مثلا عِنْدمَا يَقرَأ البعْض قَوْل اَلحَق سُبْحانه :

﴿إِنَّكَ لا تَهدي مَن أَحبَبتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهدي مَن يَشاءُ وَهُوَ أَعلَمُ بِالمُهتَدينَ﴾

فَإنَّه يَتَصوَّر أنَّ المقْصود بِأنَّ رَسُول اَللَّه صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم يُمْكِن أن يُحِب اَلكُفار حُبًّا فِطْريًّا ، وَهذَا مَرفُوض شرْعًا ، لِأَنه مُنَاقِض لِمعْنى الإسْلام التَّامِّ لِلَّه جلَّ جلاله ، فالْمسْلم هُو اَلذِي سَلَّم قَلبُه ، وعقْله ، ولسانه ، وعمله لِلَّه وَحدَه ، لِذَلك مِن فِي قَلبِه حُب لِلْكفَّار ، فَهُو قطْعًا غَيْر مُخْلِص لِلَّه ، لِأنَّ بعْضًا مِنْه لِلْكفَّار ، وَعلَى هذَا دلَّ أيْضًا قَولَه تَعالَى : 

﴿لا تَجِدُ قَومًا يُؤمِنونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ يُوادّونَ مَن حادَّ اللَّهَ وَرَسولَهُ وَلَو كانوا آباءَهُم أَو أَبناءَهُم أَو إِخوانَهُم أَو عَشيرَتَهُم أُولئِكَ كَتَبَ في قُلوبِهِمُ الإيمانَ وَأَيَّدَهُم بِروحٍ مِنهُ وَيُدخِلُهُم جَنّاتٍ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها رَضِيَ اللَّهُ عَنهُم وَرَضوا عَنهُ أُولئِكَ حِزبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزبَ اللَّهِ هُمُ المُفلِحونَ﴾ 

[المجادلة: ٢٢]

لِذَلك مَعنَى قَولِه " أَحبَبت " أيُّ أَحبَبت هِدايَته ، وليْس أحْببْته هُو . 

أنَّ اِسْتحْضار مَعنَى الإسْلام دوْمًا ، يجْعلنَا نَتَجنَّب اَلكثِير مِن الأفْهام  والسُّلوكيَّات الخاطئة ، وَالتِي بِمجرَّد فحْصهَا يظْهر تعارضهَا مع مَاهِية الإسْلام ، وبالتَّالي بُطْلانهَا .

لِسَان العرب 

إِذَا نجحْنَا فِي اَلخُطوة السَّابقة بِتوْفِيق اَللَّه ، يَجِب أن نُدْرِك أنَّ هذَا الوحْي لَيْس بِلهْجاتنَا المحلِّيَّة ، فَهُو لَيْس بِالْجزائريَّة ، ولَا المصْريَّة ، ولَا الخليجيَّة ، بل هُو بِلسان عَربِي مُبينٍ لِقوْله تَعالَى : 

 ﴿بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبينٍ﴾  

[الشعراء: ١٩٥]

فلَا بُدَّ مِن مَعرِفة لِسَان العرب لِإدْرَاك مَعْنَاه على حقيقَته ، ولَا يُمْكِن بِحَال مِن الأحْوال تَجاوُز لِسَان العرب كَأَداة لِفَهم الوحْي . 

إِنَّ النَّاس مع لِسَان العرب كَأَداة لِفَهم اَلقُرآن والسُّنَّة بَيْن الإفْراط والتَّفْريط ، فنحْن بَين ناس تَقُول إِنَّه يَجِب أَلَّا نَعرِف العربيَّة وَحسَب ، بل يَجِب أيْضًا أن نَعرِف ثَقافَة العرب أَيَّام نُزُول الوحْي ، وَنمَط عَيشهِم ، وعاداتهم ، وتقاليدهم ، بِاعْتبار أنَّ اَللغَة العربيَّة كأيَّ لُغَة تَتَطوَّر مع تَطوُّر الشُّعوب ، واخْتلاف نمط عيْشهَا . 

وَهذَا الكلَام يَبدُو مَنطقِيا ، وصحيحًا ، لَو كان اَلحدِيث عن أيِّ نصٍّ أَدبِي غَيْر الوحْي ، لِأَنه حبيس اللَّحْظة الزَّمنيَّة اَلتِي كتب فِيهَا ، ومَا يُؤثِّر فِي الكاتب ، أَمَّا بِالنِّسْبة لِلْوحْي فلَا ، لِأنَّ الوحْي قُرْآنًا وَسنَة يَمْتاز بِعدَّة مُميزَات تَجعلُه مُنَاسِب لِكلِّ زَمَان وَمَكان ، فَهُو نُور مُبيَّن كمَا قال رَبنَا عزَّ وجلَّ : 

﴿يا أَيُّهَا النّاسُ قَد جاءَكُم بُرهانٌ مِن رَبِّكُم وَأَنزَلنا إِلَيكُم نورًا مُبينًا﴾ 

[النساء: ١٧٤] 

وبالتَّالي فَهُو لََا يَختَص بِالزَّمن اَلذِي أنزِل فِيه ، حَيْث أَنَّه أنزِل عليْنَا جميعًا ، كُلُّ مِنَّا فِي زَمانِه ، كمَا يَظهَر جليًّا مِن قَولِه تَعالَى : 

﴿قولوا آمَنّا بِاللَّهِ وَما أُنزِلَ إِلَينا﴾ 

[البقرة: ١٣٦]

فَهُو أنزل إِليْنَا نَحْن ، كمَا أنزَدل إِلى الأجْيال اَلتِي سَبَقتنَا ، غَيْر مَحصُور فِي حِقْبَة مُعَينَة ، وَهذَا مَا يلْمسه القارئ (المبصر) لِلْقرْآن والسُّنَّة اليوْم ، حَيْث أنَّ الوحْي يُعَالِج قضايَاه المعاصرة بِمخْتَلف أنْواعهَا . 

يَنبَغِي هُنَا التَّرْكيز على أنَّ أَلفَاظ اَلقُرآن يَنبَغِي أن يُرَاعَى فِيهَا مَعْنَاها عِنْد قُرَيش أَيَّام نُزُول الوحْي ، وَذلِك أنَّ اَلقُرآن نزل بِلسان العرب ولسان العرب هُو ذَلِك اللِّسَان اَلذِي كَانَت تتحدَّثه قُرَيش ، وليْس هذَا اللِّسَان اَلذِي نتحدَّثه ، فَكمَا هُو مَعلُوم عِنْد أَهْل اَللغَة فَسدَت السَّليقة مع بِداية العصْر العبَّاسيِّ ، لِذَلك يَجِب أن نُرَاعِي مَعانِي الكلمات وَقْت نُزُول الوحْي . 

على اَلنقِيض مِن اَلفرِيق السَّابق ، قَوْم يُريدون أن يقْفزوا على لِسَان العرب كَأَداة لِفَهم اَلقُرآن والسُّنَّة ، بِحجَّة أنَّ اَللَّه بَيَّن اَلقُرآن وَيسَّره ، فَلهُم نَقُول : 

نَعِم بِفَضل اَللَّه أَنَّه يَسَّر الوحْي ، وَلَكنَّه يَسَّره بِلسان رَسُول اَللَّه صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم اَلذِي هُو اللِّسَان العرَبيُّ ، يَقُول رَبنَا عزَّ وجلَّ :

﴿فَإِنَّما يَسَّرناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ المُتَّقينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَومًا لُدًّا﴾

[مريم: ٩٧]

وَلهُم نَقُول ، هَبكُم أنَّ إِنْجليزيًّا لََا يُعرَف غَيْر اللِّسَان الإنْجليزيِّ ، أَرَاد أن يَفهَم اَلقُرآن كمَا نزل ، هل يَستطِيع أن يفْهمه دُون أن يَتَعلَّم العربيَّة ؟ 

إِذَا قُلتُم نعم ، بان كَذبُكم ، فترْجمات اَلقُرآن إِلى الإنْجليزيَّة إِنَّما وَضعَت لِلْحاجة إِليْهَا . 

وَإذَا قُلتُم لا ، نَقُول لَكُم أَنكُم وَهذَا الإنْجليزيُّ سَوَاء ، فأنْتم أيْضًا تحْتاجون أن تتعلَّموا العربيَّة ، لِكيْ تفهَّموه اَلقُرآن والسُّنَّة ، فألْسنتكم لَيسَت العربيَّة ، وَإِنمَا هِي لَهَجات بَعِيدَة جِدًّا عن العربيَّة . 

لِذَلك التَّجاسر على نُصُوص الوحْي قُرْآنًا وَسنَة بِحجَّة أَنهَا يَسِيرَة ، دُون اِمتِلاك القدْر الكافي مِن المعْرفة بِلسان العرب ، هُو مُجرَّد اِتِّباع لِلْهوى لا غَيْر ، لِأنَّ صاحبه حِين يَقُول إِنَّ اَلآيَة كذَا تَعنِي كذَا ، فَإِنمَا يقوله بِهواه ، وليْس بِعلْمه بِمَا تَدُل عليْه اَلآيَة فِي اللِّسَان اَلذِي نَزلَت بِه ، فالْحَذر الحذر ! ! ! 

كَوْن الوحْي بِلسان العرب ، وكوْنه صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم وصحابته عرب يتكلَّمون لِسَان العرب سَلِيقَة ، يُؤدِّي إِلى مُلَاحظَة مُهمَّة جِدًّا عِنْد التَّعامل مع السُّنَة خَاصَّة ، أَلَّا وَهِي أنَّ الصَّحابة رَضْوان اَللَّه عَليهِم حِين يسْألون رَسُول اَللَّه صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم عن أَمْر مَا فِي الدِّين ، فإنَّهم لََا يسْألون عن مَعْنَاه فِي لِسانِهم ، لِأَنه مُتَحصل عِنْدهم أصْلا ، وَإِنمَا عن تطْبيقه العمَليِّ .

فمثلا حِين يسْألون رَسُول اَللَّه صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم عن الإسْلام ، فإنَّهم لََا يسْألون عن مَعنَى كَلمَة الإسْلام فِي لِسانِهم ، لِأنَّهم يعْرفونه أصْلا ، وَإِنمَا يسْألونه عن تطْبيقه العمَليِّ ، اَلذِي هُو تَجسِيد لِلْمعْنى اللُّغَويِّ المعْروف عِنْدهم مُسْبقًا . 

هَذِه الملاحظة مُهمَّة بِالنِّسْبة لَنَا ، لِأنَّ كثيرًا مِن النَّاس اليوْم يَجهَل مَعانِي الكلمات المتعلِّقة بِالدِّين ، كالْإسْلام ، والْإيمان ، والْعبادة ، وَغَيرهَا ، فَلمَّا يَتَعلَّم مَا تَدُل عليْه عمليًّا مِن خِلَال السُّنَة ، يَتَصوَّر أَنَّه فَهْم حقيقتهَا ، وَهُو فِي الحقيقة لَم يَفهَم غَيْر التَّطْبيق العمَليِّ ، وَبقِي عليْه اَلْجَوهر ، مِثْله مِثْل مِن تَعلَّم سِياقة السَّيَّارة فقط ، وَيظُن أَنَّه بِذَلك فَهْم كُلِّ مَا يَتَعلَّق بِالسَّيَّارة مِن مَبادِئ مِيكانيكيَّة وَهَندسَة . 

فمثلا عِنْد سُؤَال مَا هُو الإسْلام ، فَإِن أغْلبنَا سَوْف يُجيب بِحديث جِبْريل ذاكرًا الأرْكان الخمْسة ، ويكْتَفي بِذَلك ، وَهذَا يَعنِي أنَّ الإسْلام مُجرَّد قَوْل ومجْموعة مِن الأعْمال ، وَهذَا بعيد كُلُّ اَلبُعد عن حَقِيقَة الإسْلام ، اَلتِي هِي قَرَار بِتسْلِيم النَّفْس لِلَّه وَحدَه ، هَذِه الحقيقة اَلتِي عرفهَا الصَّحابة رَضْوان اَللَّه عَليهِم مِن معْرفتهم بِمعْنى اَلكلِمة فِي لِسانِهم ، فأرادوا معْرفتهَا عمليًّا ، لِذَلك حَتَّى نَستفِيد مِن السُّنَة عليْنَا أن نَعرِف لِسَان العرب مَعرِفة تَمكننا مِن فَهْم المعاني المجرَّدة أوَّلا ، كمَا فَهِمهَا الصَّحابة رَضْوان اَللَّه عَليهِم ، قَبْل البحْث عن التَّطْبيق العمَليِّ لَهَا . 

السِّيَاق 

مِن طَبِيعَة كُلِّ اللُّغَات أنَّ لِمفْرداتهَا مَعَان عِدَّة ، وَهنَا يَبرُز السِّيَاق لِمعْرِفة أيِّ تِلْك المعاني هِي المرادة فِي اَلجُملة العربيَّة ، لِذَلك فَهْم السِّيَاق اَلْعام لِلْآية ، أو اَلحدِيث ، ضَرورِي جِدًّا لِفَهم المعاني الجزْئيَّة لِلْكلمات المكوَّنة لِلْآية ، أو اَلحدِيث .

إِنَّ فَهْم السِّيَاق ضَرورِي جِدًّا فِي كَشْف تَحرِيف اَلكَلِم عن مَواضِعه ، فأغْلب التَّحْريف إِنَّما يَتِم بِاقتطاع جُزْء مِن اَلآيَة ، أو اَلحدِيث ، من سِياقه اَلْعام ، ثُمَّ الاسْتدْلال بِه على مَوضُوع آخر لََا عَلاقَة لَه بِه ، مثلا إِذَا تَأَملنَا قَولُه تَعالَى :

﴿هُوَ الَّذي أَخرَجَ الَّذينَ كَفَروا مِن أَهلِ الكِتابِ مِن دِيارِهِم لِأَوَّلِ الحَشرِ ما ظَنَنتُم أَن يَخرُجوا وَظَنّوا أَنَّهُم مانِعَتُهُم حُصونُهُم مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِن حَيثُ لَم يَحتَسِبوا وَقَذَفَ في قُلوبِهِمُ الرُّعبَ يُخرِبونَ بُيوتَهُم بِأَيديهِم وَأَيدِي المُؤمِنينَ فَاعتَبِروا يا أُولِي الأَبصارِ﴾ 

[الحشر: ٢] 

فَإِن السِّيَاق يُحَدثنَا عَمَّا حلَّ بِبَني اَلنضِير ، وكيْف أوْصلَهم كُفْرُهم وغدْرهم إِلى أن يُخرِّبوا بُيوتهم بِأيْديهم ، وَأيدِي المؤْمنين ، وَهُم الَّذين كَانُوا يظنُّون أَنهُم فِي مَنَعَة وَعزَّة ، ثُمَّ ختم اَلآيَة بِالْأَمْر بِأَخذ العبْرة مِنْهم ، حَتَّى لََا يَحُل بِنَا مَا حلُّ بِهم . 

أتى بَعْض المحرِّفون لِلْكلم عن مَواضِعه وانْتزعوا قَولَه تَعالَى : 

فَاعتَبِروا يا أُولِي الأَبصارِ 

مِن سِياقه ، وقالوا هَذِه اَلآيَة دليل على أنَّ القيَاس والاجْتهاد مَأمُور بِه فِي التَّشْريع ، مع كَوْن اَلآيَة لََا تَتَحدَّث عن التَّشْريع مُطْلقًا ، وأصْلا لا حَاجَة لِلْقيَاس ولَا الاجْتهاد ، فَاَللَّه لَم يَترُك شيْئًا إِلَّا وبيْنه أَبلَغ بَيَان . 

لِذَلك لِكيْ لََا نَقْع فِيمَا وَقعُوا فِيه ، عليْنَا أن نُرَاعِي السِّيَاق اَلْعام لِلْآية ، أو اَلحدِيث . 

فَهْم اَلقُرآن بِالْقرآن 

فهم القرآن بالقرآن

إِنَّ طَبِيعَة الوحْي قُرْآنًا وَسنَة ، هِي التَّرابط اَلوثِيق بَيْن الآيَات بعْضهَا البعْض ، وَبيَّن الآيَات والْأحاديث ، ونظرًا لِكَون القصص القرْآنيِّ مليء بِالدُّروس ، وَالعِبر ، فَإِننَا قد نَجِد نَفْس اَلقِصة تَتَكرَّر فِي عِدَّة مَواضِع ، وَلكِن فِي كُلِّ مَرَّة تُركِّز على فِكْرَة أَساسِية مُختلفَة ، مِمَّا يَستلْزِم إِجمَال بَعْض التَّفاصيل فِي مَوضِع ، وَبَسطهَا فِي مَوضِع آخر ، وَمِن هُنَا صار مِن اَلمهِم جَمْع آيات اَلقُرآن لِتكْتَمل الصُّورة . 

فمثلا قِصَّة آدم وَهبُوطه على الأرْض ، وَردَت فِي عِدَّة مَواضِع ، فِي كُلِّ مَوضِع رَكزَت على قِيمة مُعَينَة ، وبالتَّالي أَهمَلت بَعْض التَّفاصيل اَلتِي أظْهرتْهَا فِي مَواضِع أُخرَى ، فَفِي سُورَة البقَرة كان التَّرْكيز على تَشرِيف البشر ، وإبْرَاز الغاية مِن خُلُقه فنجده يَقُول : 

﴿وَإِذ قالَ رَبُّكَ لِلمَلائِكَةِ إِنّي جاعِلٌ فِي الأَرضِ خَليفَةً قالوا أَتَجعَلُ فيها مَن يُفسِدُ فيها وَيَسفِكُ الدِّماءَ وَنَحنُ نُسَبِّحُ بِحَمدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنّي أَعلَمُ ما لا تَعلَمونَ﴾ 

[البقرة: ٣٠]

ولَا يَتَحدَّث عن كَيفِية خَلْق هذَا الخليفة ، ولَا مِمَّا خلق ، لِأنَّ المقَام لَيْس مَقَام ذَلِك ، ونجده فِي الحجْر يَفصِل ويركِّز على المادَّة اَلتِي خلق مِنهَا ، فِي قَولِه : 

﴿وَلَقَد خَلَقنَا الإِنسانَ مِن صَلصالٍ مِن حَمَإٍ مَسنونٍ﴾ 

[الحجر: ٢٦]

لِأنَّ المقَام يَقتَضِي ذَلِك ، فالسُّورة تُركِّز على وَعْظ الإنْسان ، وَمِن ثمَّ صار تذْكيره بِأصْله الطِّينيِّ أَدعَا أنَّ لََا يَتَكبَّر وأن يَخضَع لِرَبه .

كَذلِك فِي سُورَة البقَرة لِمَا كان المقَام مَقَام تَشرِيف ، اِمْتنَّ الخالق على آدم بِأنَّ عَلَّمه التَّوْبة : 

﴿فَتَلَقّى آدَمُ مِن رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوّابُ الرَّحيمُ﴾ 

[البقرة: ٣٧]

وأعْلن تَوبتَه عليْه ، وَفِي الأعْراف لِمَا كان المقَام مَقَام وَعْظ ، وتضرُّع إِلى اَللَّه ، بَسْط تَوبَة آدم فِي قَولِه : 

﴿قالا رَبَّنا ظَلَمنا أَنفُسَنا وَإِن لَم تَغفِر لَنا وَتَرحَمنا لَنَكونَنَّ مِنَ الخاسِرينَ﴾ 

[الأعراف: ٢٣]

ولم يذكر تَوبتَه على آدم ، لِأنَّ المقَام يَقتَضِي ذَلِك ، فالْمراد هُو أن يَتَعلَّم بنوْا آدم أن يتوبوا إِلى اَللَّه ، ويظلُّوا فِي تَضرُّع ، لََا يعْرفون متى يَقبَل اَللَّه توْبتَهم . 

كَذلِك مِن حِكْمَة اَللَّه أَنَّه نزل تشْريعاته مُتفاوتة ، لِذَلك قد نَجِد عِدَّة آيات تَتَحدَّث عن نَفْس الموْضوع مع اِختِلاف فِي اَلحُكم ، كمَا هِي اَلْحال فِي الخمْر مثلا ، فقد بدأ اَلحدِيث عَنْه فِي قَولِه تَعالَى : 

﴿يَسأَلونَكَ عَنِ الخَمرِ وَالمَيسِرِ قُل فيهِما إِثمٌ كَبيرٌ وَمَنافِعُ لِلنّاسِ وَإِثمُهُما أَكبَرُ مِن نَفعِهِما وَيَسأَلونَكَ ماذا يُنفِقونَ قُلِ العَفوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُم تَتَفَكَّرونَ﴾ 

[البقرة: ٢١٩]

ثُمَّ حُرمَت الصَّلَاة على السَّكْران ، مِمَّا يَعنِي تَحرِيم الخمْر وَقْت الصَّلَاة ، فِي قَولِه تَعالَى : 

﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَقرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنتُم سُكارى حَتّى تَعلَموا ما تَقولونَ ﴾ 

[النساء: ٤٣]

ثُمَّ نزل تحْريمه مُطْلقًا فِي قَولِه تَعالَى : 

﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِنَّمَا الخَمرُ وَالمَيسِرُ وَالأَنصابُ وَالأَزلامُ رِجسٌ مِن عَمَلِ الشَّيطانِ فَاجتَنِبوهُ لَعَلَّكُم تُفلِحونَ﴾ 

[المائدة: ٩٠]

محلُّ الشَّاهد أَنَّه بَعْد جَمْع الآيَات ، اِتَّضح اَلحُكم ، وَهذَا لََا يَعنِي عدم بَيَان الآيَات السَّابقة ، وَإِنمَا يَعنِي أنَّ أَحكَام اَللَّه تَنزِل مُتَفرقَة فِي الوحْي كُلِّه ، مِن لَم يجْمعْهَا لَن تَكتَمِل عِنْده الصُّورة . 

فَهْم اَلقُرآن والسُّنَّة بِالسَّنة 

مَا سبق ذِكْره عن ضَرُورَة جَمْع الآيَات ، يَنطَبِق على الأحاديث ، فالْأحْكام تَنزِل مُتَفرقَة بَيْن اَلقُرآن والسُّنَّة ، فمثلا فِي مَوضُوع الخمْر بَينَت الأحاديث أنَّ اَلمُراد بِاجْتناب الخمْر لَيْس فقط اِجتِناب شُرْبِه ، وَإِنمَا أيْضًا اِجتِناب عَصرِه ، وشرائه ، وبيْعه ، وحمْله . 

كَذلِك قد تَأتِي السّنَة مُبَينَة لِلَفظ مُعيَّن ورد فِي اَلقُرآن ، مِثْل بَيَان رَسُول اَللَّه صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم لِكلمة الظُّلْم الواقعة فِي قَولِه تَعالَى : 

﴿الَّذينَ آمَنوا وَلَم يَلبِسوا إيمانَهُم بِظُلمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الأَمنُ وَهُم مُهتَدونَ﴾ 

[الأنعام: ٨٢]

بِأنَّهَا الشِّرْك كمَا ورد فِي اَلحدِيث : 

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا} [الأنعام: 82] إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّنَا لاَ يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ قَالَ: " لَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ {لَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] بِشِرْكٍ، أَوَلَمْ تَسْمَعُوا إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ لِابْنِهِ يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ " 

[البخاري، صحيح البخاري، ١٤١/٤]

كَذلِك عمل رَسُول اَللَّه صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم يُعْطِي نموذَجًا حيًّا مِن تَطبِيق اَلقُرآن والسُّنَّة ، فَهُو اَلقُدوة ، وَلذَلِك إِذَا ورد أَمْر مَا فِي اَلقُرآن والسُّنَّة ، فَإِننَا نَنظُر كَيْف طَبقَه رَسُول اَللَّه صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم ، لِأَنه هُو التَّطْبيق اَلصحِيح لِذَلك الأمْر ، وَمِن ثمَّ يَكُون عِنْدنَا الأمْر ، ومثال على تطْبيقه ، فيكْتَمل البلَاغ اَلمُبين اَلذِي كُلِّف بِه رَسُول اَللَّه صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم . 

مِن ذَلِك مثلا قَولَه صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم : 

"أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ"

[البخاري ,صحيح البخاري ,1/14]

فَهذَا اَلحدِيث حِين نجْمعه مع قَولِه تَعالَى : 

﴿وَقاتِلوهُم حَتّى لا تَكونَ فِتنَةٌ وَيَكونَ الدّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعمَلونَ بَصيرٌ﴾ 

[الأنفال: ٣٩]

ونجْمَعه مع قَولِه تَعالَى : 

﴿وَإِن أَحَدٌ مِنَ المُشرِكينَ استَجارَكَ فَأَجِرهُ حَتّى يَسمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبلِغهُ مَأمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُم قَومٌ لا يَعلَمونَ﴾ 

[التوبة: ٦]

وَنرَى فِعْل رَسُول اَللَّه صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم فِي تطْبيقه ، نَفهَم أنَّ المخاطب بِهَذا الأمْر هُو الدَّوْلة الإسْلاميَّة ، وأنَّ اَلمُراد أن تَخضَع الأرْض كُلهَا لِشَرع اَللَّه عزَّ وجلَّ ، بِغضِّ النَّظر عن أَديَان الأفْراد ، لِأنَّنَا لََا نَجِد رَسُول اَللَّه صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم فِي تعامله مع الأفْراد يُجْبرهم على الإسْلام أو القتَال ، لِذَلك مِن اَلمهِم جِدًّا النَّظر إِلى سنة رَسُول اَللَّه صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم العمليَّة ، لِأنَّهَا تَطبِيق حِرَفي لِمَا أمر بِه ، وَمِن ثمَّ هِي الفهْم اَلصحِيح لِلْقرْآن والسُّنَّة . 

سبب النُّزول 

رَغْم كَوْن الوحْي قُرْآنًا وَسنَة أَنزَل لِلنَّاس كَافَّة ، وَحتَّى قِيَام السَّاعة ، مُسْتَقِل عن الزَّمَان والْمكان ، إِلَّا أنَّ سبب النُّزول يُعْطِي مِثالا تطْبيقيًّا لِلنَّصِّ اَلذِي نزل ، وَهذَا يُسَاعِد على فَهْم اَلجَو اَلْعام اَلذِي نزل فِيه ، مع التَّنْبيه أنَّ اَلنَّص لََا يَنحَصِر فِيه .

الطَّبيعة العمليَّة لِنصوص الوحْي 

هُنَاك مُلَاحظَة فِي غَايَة الأهمِّيَّة وَهِي أنَّ الوحْي أنزل لِلْعمل بِه ، ولم يَنزِل لِمجرَّد الثَّقافة والْمعْرفة ، يظْهر هذَا الأمْر فِي كثير مِن المواقف اَلتِي قصَّ اَللَّه عليْنَا ، فمثلا عِنْدمَا أتى الأمْر :

﴿وَأَوحَينا إِلى موسى أَن أَسرِ بِعِبادي إِنَّكُم مُتَّبَعونَ﴾ 

[الشعراء: ٥٢]

لَم يُخْبِر اَللَّه نَبيَّه مُوسَى بِماذَا سَوْف يَحدُث بَعْد ذَلِك ، لِذَلك لَم يَكُن مُوسَى يَعرِف اَلخُطوة الموالية بَعْد أن تَراءَى الجمْعان ، كمَا ورد فِي قَولِه تَعالَى :

﴿فَلَمّا تَراءَى الجَمعانِ قالَ أَصحابُ موسى إِنّا لَمُدرَكونَ۝قالَ كَلّا إِنَّ مَعِيَ رَبّي سَيَهدينِ﴾ 

[الشعراء: ٦١-٦٢]

فَأَتَى الْأَمْرُ بِ:

﴿فَأَوحَينا إِلى موسى أَنِ اضرِب بِعَصاكَ البَحرَ فَانفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرقٍ كَالطَّودِ العَظيمِ﴾ 

[الشعراء: ٦٣] 

ولم يَأْت تَفصِيل آخر لمَا سَوْف يَحدُث بَعْد ذَلِك ، لِذَلك لَمَّا اِجْتَاز مُوسَى بِقوْمه البحْر أَرَاد أن يَنضَم البحْر حَتَّى يَكُون حاجزًا بَينَه وبيْن فِرْعوْن ، فَأتَى الأمْر بِأن يَترُكه : 

﴿وَاترُكِ البَحرَ رَهوًا إِنَّهُم جُندٌ مُغرَقونَ﴾ 

[الدخان: ٢٤]

مِمَّا يُبيِّن أنَّ نُصُوص الوحْي تَنزِل بِقَدر الحاجة العمليَّة لَهَا ولَا تَنزِل لِمجرَّد المعْرفة النَّظريَّة . 

هَذِه المسْألة فِي غَايَة الأهمِّيَّة عِنْد التَّعامل مع نُصُوص الوحْي ، حَيْث أَنَّه يَجِب عليْنَا التَّرْكيز على الجانب العمَليِّ لَهَا ، والابْتعاد عن الجانب النَّظَريِّ البحْتِ ، لِأَنه مُنَاف لِطبيعة نُصُوص الوحْي ، فلَا نَهتَم بِبَعض التَّفاصيل الثَّانويَّة كأسْمَاء بَعْض الشَّخْصيَّات اَلتِي ورد اَلحدِيث عَنهَا فِي اَلقُرآن أو اَلسنَة ، لِأنَّ معْرفتهَا لَيْس لَهَا بَعْد عَملِي .

الخطوات العمليَّة لِفَهم اَلقُرآن والسُّنَّة 

آن اَلْأَوان لِتلْخِيص مَا سبق فَأقُول مُسْتعينًا بِاللَّه : 

  1. ينبَغِي أن نَكُون مُسْلمِين ، مُسْتحْضرين لِمعْنى الإسْلام ، لِأَنه لََا يُمْكننَا الاسْتفادة مِن اَلقُرآن والسُّنَّة مَا لَم نُحقِّق الإيمان .
  2. يَنبَغِي أن نَتَجرَّد مِن أيِّ مَعرِفة سَابِقة بِحَيث نُقبِل على نُصُوص الوحْي كالصَّفْحة البيْضاء لِتشكِّل تصوُّراتنَا ، وَهذَا يَعنِي بِكلِّ تَأكِيد الابْتعاد عن كُتُب التَّفاسير لِأنَّنَا عِنْد قِراءتهَا لَن نَستطِيع التَّجَرُّد أبدًا ، وسوْف نَتَأثَّر بِكلام اَلمُفسر بِحَيث يُوجِّه تفْكيرنَا فَنكُون تبعًا لَه . 
  3. عليْنَا أن نَفهَم اَلآيَة ، أو اَلحدِيث بِمَا دَلَّت عليْه ألْفاظه فِي لِسَان العرب ، وَهذَا يَعنِي أَنَّه لَابُد لَنَا مِن مَعرِفة كَافِية بِالصَّرْف نظرًا لِتأثُّر مَعنَى المفْردة العربيَّة بِه ، والنَّحْو والْبلاغة نظرًا لِتأثُّر مَعنَى اَلجُملة بِهمَا . 
  4. فَهْم السِّيَاق اَلْعام لِلْآية ، أو اَلحدِيث ، بِحَيث لََا نَخرُج عليْه .
  5. جَمْع كُلِّ الآيَات والْأحاديث الواردة فِي نَفْس الموْضوع لِتكْتَمل الصُّورة .
  6. البحْث عن سبب النُّزول إِن وجد .
  7. البحْث عن التَّطْبيق العمَليِّ لِلْآية أو اَلحدِيث لِأنَّ الوحْي نزل لِيعْمل بِه ، وليْس لِمجرَّد التَّرَنُّم والْقراءة النَّظريَّة . 

إِذَا تَحقَّق مَا سبق فَإِننَا بِعَون اَللَّه نَكُون قد وضعْنَا أَنفُسنا فِي بِداية اَلطرِيق اَلصحِيح ، وَكُلمَا زاد عملنَا بِالْقرْآن والسُّنَّة ، كُلمَا زادنَا إِيمانًا وهداية ، مِصْداقًا لِقوْله تَعالَى :

  ﴿وَالَّذينَ جاهَدوا فينا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ المُحسِنينَ﴾ 

[العنكبوت: ٦٩]

أَسأَل اَللَّه أن يجْعلَنَا مِمَّن يُنير اَلقُرآن والسُّنَّة دَربُهم ، حَتَّى نَكُون مِمَّن قال اَللَّه فِيهم :

﴿يَومَ تَرَى المُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ يَسعى نورُهُم بَينَ أَيديهِم وَبِأَيمانِهِم بُشراكُمُ اليَومَ جَنّاتٌ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها ذلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظيمُ﴾ 

[الحديد: ١٢]

اَللَّهُمَّ آمِينَ ، اَللَّهُمَّ آمِينَ ، وَآخِرٌ دَعْوَانَا أَن الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .

قراءة وتحميل المقال بصيغة pdf

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-