- مَا هِي السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ
- حُجِيَّةُ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ
- كَيْفَ وَصَلَتْنَا السُّنَّةُ
- حُكْمُ الْحَدِيثِ إِذَا بَدَا أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ
- شُبُهَاتُ مُنْكِرِي السُّنَّةِ
مَا هِيَ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ
يُقْصَدُ بِالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ الشَّرِيفَةِ أَقْوَالُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَفْعَالُهُ، وَتَقْرِيرَاتُهُ، الَّتِي لَهَا طَابِعٌ تَشْرِيعِيٌّ، فَكُلُّ مَا يَقُولُهُ سَوَاءٌ كَانَ خَبَرًا، أَوْ أَمْرًا، أَوْ نَهْيًا، هُوَ مِنْ سُنَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَذَلِكَ كُلُّ مَا يَفْعَلُهُ مِنْ أَفْعَالٍ، أَوْ مَا يُقِرُّهُ مِنْ أَفْعَالٍ وَأَقْوَالٍ، فَهُوَ لَا يَسْكُتُ عَلَى الْبَاطِلِ، فَمَا سَكَتَ عَنْهُ، لَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ حَقٌّ.
إِنَّ أَخْبَارَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقْوَالَهُ، وَأَعْمَالَهُ، جَمَعَهَا عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ فِي كُتُبِ السُّنَّةِ، لِذَلِكَ مِنْ الضَّرُورِيِّ التَّمْيِيزُ بَيْنَ السُّنَّةِ نَفْسِهَا، وَبَيْنَ كُتُبِ السُّنَّةِ، الَّتِي هِيَ جُهْدٌ بَشَرِيٌّ لِجَمْعِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَعْتَرِيهِ النَّقْصُ، كَأَيِّ جُهْدٍ بَشَرِيٍّ، فَالسُّنَّةُ هِيَ مَا صَدَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ وَتَقْرِيرٍ، وَكُتُبُ السُّنَّةِ هِيَ جَمْعُ مَا يُنْسَبُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ وَتَقْرِيرٍ، وَهَذِهِ النِّسْبَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ تَصِحُّ، وَقَدْ لَا تَصِحُّ، لِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ لَا نَخْلِطَ بَيْنَ السُّنَّةِ نَفْسِهَا، وَبَيْنَ كُتُبِ السُّنَّةِ، وَسَوْفَ نَعُودُ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِشَيْءٍ مِنْ التَّفْصِيلِ لَاحِقًا بِإِذْنِ اللَّهِ .
حُجِيَّةُ السُّنَّةِ
فِي الْوَاقِعِ الْأَدِلَّةُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ مِنْ الْوَحْيِ، يَجِبُ اتِّبَاعُهَا، لِكَيْ يَكُونَ الْمَرْءُ مُسْلِمًا، لَا حَصْرَ لَهَا، فَجُلُّ الْقُرْآنِ يُؤَكِّدُ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيمَا يَلِي بَعْضُ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ:
الْأَمْرُ بِاتِّبَاعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِنَّ أَغْلَبَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ جَزَاؤُهَا الْجَنَّةَ فِي الْآخِرَةِ، إِلَّا بَعْضَ الْأَعْمَالِ الْقَلِيلَةِ الَّتِي يُعَجِّلُ اللَّهُ ثَوَابَهَا فِي الدُّنْيَا، وَمِنْ تِلْكَ الْأَعْمَالِ اتِّبَاعُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ يُجَازِي اللَّهُ عَلَيْهِ فَوْرًا بِأَعْظَمِ جَزَاءٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ، أَلَا وَهُوَ حُبُّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَمَغْفِرَةُ الذُّنُوبِ، فَقَدْ بَشَّرَنَا اللَّهُ بِقَوْلِهِ :
﴿قُل إِن كُنتُم تُحِبّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعوني يُحبِبكُمُ اللَّهُ وَيَغفِر لَكُم ذُنوبَكُم وَاللَّهُ غَفورٌ رَحيمٌ﴾
[آل عمران: ٣١]
وَاتِّبَاعُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي قُبُولِ مَا يَقُولُ وَيُقَرِّرُ، وَفِعْلُ مَا يَفْعَلُ مِنْ أَعْمَالٍ، أَيْ اتِّبَاعُ سُنَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فِي مُقَابِلِ حُبِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لِلْمُتَّبِعِ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْخَسَارَةُ وَالْحَسْرَةُ وَالنَّدَامَةُ لِمَنْ لَمْ يَتْبَعْ سُنَّتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ:
﴿وَيَومَ يَعَضُّ الظّالِمُ عَلى يَدَيهِ يَقولُ يا لَيتَنِي اتَّخَذتُ مَعَ الرَّسولِ سَبيلًا﴾
[الفرقان: ٢٧]
فَالظَّالِمُ يَتَحَسَّرُ أَنَّهُ لَمْ يَتْبِعْ سَبِيلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالسَّبِيلُ هُوَ السُّنَّةُ.
الْأَمْرُ بِطَاعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِذَا رَجَعْنَا إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
[آلُ عِمْرَانَ: ٣١]
ثُمَّ وَاصَلْنَا الْقِرَاءَةَ، فَإِنَّنَا نَجِدُ قَوْلَهُ تَعَالَى:
﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾
[آلُ عِمْرَانَ: ٣٢]
حَيْثُ أَمَرَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ بِطَاعَتِهِ، وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلَ مَنْ تَوَلَّى عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ كَافِرًا وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ، فَعَلِمْنَا مِنْ الْآيَةِ وُجُوبَ طَاعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
إِنَّ الْأَمْرَ بِطَاعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ وَحَسْبُ، بَلْ وَرَدَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ، مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى:
﴿قُل أَطيعُوا اللَّهَ وَأَطيعُوا الرَّسولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّما عَلَيهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيكُم ما حُمِّلتُم وَإِن تُطيعوهُ تَهتَدوا وَما عَلَى الرَّسولِ إِلَّا البَلاغُ المُبينُ﴾
[النور: ٥٤]
حَيْثُ أَفْرَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَاعَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ، غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ، لِأَنَّهُ أَمَرَ بِطَاعَتَيْنِ فَقَالَ :
أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ
فَطَاعَةُ اللَّهِ تَعْنِي طَاعَةَ كَلَامِهِ الْقُرْآنِ، وَطَاعَةُ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هِيَ طَاعَةُ أَوَامِرِهِ خَارِجَ الْقُرْآنِ، لِأَنَّهُ إِذَا قُلْنَا أَنَّ طَاعَةَ رَسُولِ اللَّهِ تَعْنِي طَاعَةَ الْقُرْآنِ أَيْضًا، لَكَانَ فِي الْآيَةِ حَشْوٌ، وَتِكْرَارٌ، فَقَدْ سَبَقَتْ طَاعَةُ الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ أَطِيعُوا اللَّهَ، وَبِالتَّالِي طَاعَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْصِدُ بِهَا أَوَامِرَهُ خَارِجَ الْقُرْآنِ قَطْعًا.
فَإِذَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْرٍ فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ هُوَ طَاعَتُهُ فَوْرًا، اسْتِجَابَةً لِأَمْرِ اللَّهِ الْقاضي بِوُجُوبِ طَاعَةِ رَسُولِ اللَّهِ، وَخَوْفًا مِنْ وَعِيدِ اللَّهِ لِلْمُخَالِفِينَ لِأَمْرِ رَسُولُ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ:
﴿لا تَجعَلوا دُعاءَ الرَّسولِ بَينَكُم كَدُعاءِ بَعضِكُم بَعضًا قَد يَعلَمُ اللَّهُ الَّذينَ يَتَسَلَّلونَ مِنكُم لِواذًا فَليَحذَرِ الَّذينَ يُخالِفونَ عَن أَمرِهِ أَن تُصيبَهُم فِتنَةٌ أَو يُصيبَهُم عَذابٌ أَليمٌ﴾
[النور: ٦٣]
رَبْطُ الْعِصْمَةِ مِنَ الضَّلَالِ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ
مِنْ أَعْظَمِ بِشَّارَاتِ الْقُرْآنِ، وَكُلُّهُ بِشَارَاتٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، قَوْلُهُ تَعَالَى:
﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾
[آلُ عِمْرَانَ: ١٠١]
حَيْثُ بَيَّنَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ الْكُفْرَ يَسْتَحِيلُ عَلَى مَنْ اعْتَصَمَ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، حَيْثُ ذَكَرَ الْقُرْآنَ فِي قَوْلِهِ:
تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ
وَذَكَرَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ
وَفِيكُمْ رَسُولُهُ
فَلَمْ يَكْتَفِ بِذِكْرِ الْقُرْآنِ دُونَ السُّنَّةِ، لِأَنَّ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ يُشَكِّلَانِ رِسَالَةَ الْإِسْلَامِ الَّتِي أُرْسِلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَا يَصِحُّ الْإِيمَانُ بِبَعْضِهَا وَالْكُفْرُ بِبَعْضٍ، وَمَنْ أَرَادَ الْهِدَايَةَ عَلَيْهِ بِالتَّمَسُّكِ بِهَا كُلِّهَا.
قُبُولُ السُّنَّةِ شَرْطٌ فِي الْإِيمَانِ
إِنَّ مِنْ شُرُوطِ الْإِيمَانِ الَّتِي لَا إِيمَانَ بِدُونِهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ التَّسْلِيمُ لِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا مُطْلَقًا وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنونَ حَتّى يُحَكِّموكَ فيما شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لا يَجِدوا في أَنفُسِهِم حَرَجًا مِمّا قَضَيتَ وَيُسَلِّموا تَسليمًا﴾
[النساء: ٦٥]
فَرَبُّنَا هُنَا أَقْسَمَ بِنَفْسِهِ سُبْحَانَهُ، قَسَمًا مُشْعِرًا بِفَضْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَيْثُ عَبَّرَ عَنْ نَفْسِهِ بِكَوْنِهِ رَبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا الْقَسَمُ الْعَظِيمُ مُشْعِرٌ بِعَظَمَةِ مَا أَقْسَمَ عَلَيْهِ رَبُّنَا، وَهُوَ عَدَمُ الْإِيمَانِ مُطْلَقًا، حَتَّى يَتَحَقَّقَ شَرْطَانِ
الْأَوَّلُ التَّحَاكُمُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَيِّ نِزَاعٍ.
الثَّانِي قُبُولُ حُكْمِهِ قُبُولًا مُطْلَقًا، بِحَيْثُ لَا يَجِدُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ أَيَ حَرَجٍ مِنْهُ.
وَهَذَا يَعْنِي أَنَّهُ لَا إِسْلامَ مُطْلَقًا إِلَّا لِمَنْ قَبِلَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَلَّمَ لَهَا تَسْلِيمًا تَامًّا، بِحَيْثُ لَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ حَرَجٌ مِنْهَا.
السُّنَّةُ مِنْ وَحْيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
إِنَّ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَتْ اجْتِهَادًا مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا هِيَ وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ مِثْلُهَا مِثْلُ الْقُرْآنِ، وَالْأَدِلَّةُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَدِلَّةٍ حَيْثُ رَبَطَ الْقُرْآنُ الْهِدَايَةَ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْهَا أَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى:
﴿مَن يُطِعِ الرَّسولَ فَقَد أَطاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلّى فَما أَرسَلناكَ عَلَيهِم حَفيظًا﴾
[النساء: ٨٠]
حَيْثُ عُلِمَ يَقِينًا أَنَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ هُوَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، هُوَ مَنْ أَمَرَ بِطَاعَتِهِ.
كَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِلَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ﴾
[الْحَاقَّةُ: ٤٤-٤٦]
فَقَوْلُهُ "تَقَوَّلَ" يَعْنِي لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ، فَقَالَ فِي دِينِ اللَّهِ مَا لَم يَأْذَنْ اللَّهُ بِهِ لَنَالَهُ الْوَعِيدُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَاتِ.
فَلَمَّا لَمْ يَتَحَقَّقْ هَذَا الْوَعِيدُ، عَلِمْنَا يَقِينًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكْذِبْ عَلَى رَبِّهِ، أَيْ لَمْ يَقُلْ بِرَأْيِهِ فِي دِينِ اللَّهِ، وَمِنْ ثَمَّ فَإِنَّ كُلَّ مَا أَخْبَرَ بِهِ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْقُرْآنُ، أَوْ غَيْرُهُ، وَلَا فَرْقَ، فَكُلُّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.
كَذَلِكَ مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِثْلُهَا مِثْلُ الْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى:
﴿إِنَّ الَّذينَ يَكفُرونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُريدونَ أَن يُفَرِّقوا بَينَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقولونَ نُؤمِنُ بِبَعضٍ وَنَكفُرُ بِبَعضٍ وَيُريدونَ أَن يَتَّخِذوا بَينَ ذلِكَ سَبيلًاأُولئِكَ هُمُ الكافِرونَ حَقًّا وَأَعتَدنا لِلكافِرينَ عَذابًا مُهينًا﴾
[النساء: ١٥٠-١٥١]
حَيْثُ جَعَلَ اللَّهُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ هُوَ الْكَافِرُ حَقًّا، لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَتَكْفُرَ بِرُسُلِهِ فَلَا تَتَّبِعَهُمْ غَيْرُ الْكُفْرِ، لِأَنَّ الرُّسُلَ إِنَّمَا أُرْسِلُوا لِيُتَّبَعُوا، وَمُشْكِلَةُ الْكُفَّارِ دَومًا هِيَ اسْتِكْبَارُهُمْ عَلَى اتِّبَاعِ رُسُلِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
﴿فَقالوا أَبَشَرًا مِنّا واحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنّا إِذًا لَفي ضَلالٍ وَسُعُرٍأَأُلقِيَ الذِّكرُ عَلَيهِ مِن بَينِنا بَل هُوَ كَذّابٌ أَشِرٌسَيَعلَمونَ غَدًا مَنِ الكَذّابُ الأَشِرُ﴾
[القمر: ٢٤-٢٦]
حَيْثُ أَنَّ مَنْ كَفَرَ بِالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ كَانَ مُكَذِّبًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ رَبِّهِ، مِثْلُهُ مِثْلُ بَقِيَّةِ الْكُفَّارِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ كَذَّبَ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ مِنْ حَالِ أَهْلِ النَّارِ .
كَيْفَ وَصَلَتْنَا السُّنَّةُ
لَقَدْ عَلِمْنَا فِيمَا سَبَقَ أَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ عَلَيْنَا اتِّبَاعَ وَطَاعَةَ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَتَى ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَمْرًا مَا، أَوْ فَعَلَ أَمْرًا مَا، وَجَبَتْ طَاعَةُ أَمْرِهِ، كَمَا وَجَبَ اتِّبَاعُ فِعْلِهِ، وَهُنَا يَبْرُزُ السُّؤَالُ: كَيْفَ يَثْبُتُ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نُطِيعَهُ؟
بِالنِّسْبَةِ لِلصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُمْ يَتَلَقَّوْنَ الْأَمْرَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبَاشَرَةً، لِذَلِكَ هُوَ ثَابِتٌ عِنْدَهُمْ يَقِينًا، حَيْثُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَبِالنِّسْبَةِ لِلتَّابِعِينَ فَقَدْ وَصَلَهُمُ الْأَمْرُ عَن طَرِيقِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَالصَّحَابَةُ ثِقَاتٌ عُدُولٌ زَكَّاهُمْ اللَّهُ بِقَوْلِهِ:
﴿وَالسّابِقونَ الأَوَّلونَ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ وَالَّذينَ اتَّبَعوهُم بِإِحسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُم وَرَضوا عَنهُ وَأَعَدَّ لَهُم جَنّاتٍ تَجري تَحتَهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها أَبَدًا ذلِكَ الفَوزُ العَظيمُ﴾
[التوبة: ١٠٠]
فَكَانُوا أَيْضًا عَلَى يَقِينٍ مِنْ صِحَّةِ مَا وَصَلَهُمْ.
أَمَّا مِنْ عِنْدِ جِيلِ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ إِلَى الْيَوْمِ فَإِنَّ السُّنَّةَ تُنْقَلُ لَنَا بِالْأَسَانِيدِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ نَتَوَثَّقَ مِنْ كُلِّ شَخْصٍ فِيهَا حَتَّى نَضْمَنَ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الثِّقَةَ فِي نَقْلِهِ لِلْخَبَرِ، وَذَلِكَ بِاخْتِبَارِ صِدْقِهِ وَضَبْطِهِ، فَإِذَا كَانَ صَادِقًا قَدْ جَرَّبْنَا صِدْقَهُ مِرَارًا، وَضَابِطًا قَدْ جَرَّبْنَا ضَبْطَهُ قَبِلْنَا خَبَرَهُ، لِأَنَّهُ قَطْعًا صَادِقٌ وَضَابِطٌ لِمَا نَقَلَ لَنَا.
وَإِذَا كَانَ صَادِقًا قَدْ جَرَّبْنَا صِدْقَهُ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِالضَّابِطِ الْمُتْقِنِ كَانَ عِنْدَنَا دُونَ الثِّقَةِ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مَتْرُوكًا بِالْكُلِّيَّةِ، فَقَدْ يَنْجَبِرُ نَقْصُ ضَبْطِهِ بِرِوَايَةِ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ فِي الصِّدْقِ وَالضَّبْطِ، لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ عَقْلًا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى نَفْسِ الرِّوَايَةِ، إِلَّا إِذَا كَانَتْ صَحِيحَةً
وَهَكَذَا تَنْزِلُ دَرَجَةُ الثِّقَةِ فِي الرَّاوِي حَتَّى نَصِلَ إِلَى الْمَتْرُوكِ الَّذِي لَا نَشُكُّ فِي أَنَّ رِوَايَتَهُ سَاقِطَةٌ.
هَذَا التَّدَرُّجُ فِي الثِّقَةِ فِي الرُّوَاةِ نَجَمَ عَنْهُ تَدَرُّجٌ فِي صِحَّةِ مَا وَصَلَنَا مِنْ أَخْبَارٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِحَيْثُ يُمْكِنُ تَقْسِيمُهُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ
قِسْمٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ مَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَقْلِ الثِّقَةِ الضَّابِطِ عَنْ مِثْلِهِ بِلَا شُذُوذٍ وَلَا عِلَّةٍ، وَهُوَ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطْعًا.
قِسْمٌ مَشْكُوكٌ فِي نِسْبَتِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَطْعًا لَيْسَ مِنْ سُنَّةِ الْحَبِيبِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقِسْمٌ مَكْذُوبٌ أَيْضًا لَيْسَ مِنْ سُنَّةِ الْحَبِيبِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
لِذَلِكَ مَا وَصَلَنَا مِنْ أَخْبَارٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ السُّنَّةُ، وَهُوَ مَا ثَبَتَ عَنْهُ، وَمِنْهُ غَيْرُ السُّنَّةِ، وَهُوَ مَا لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ، وَمِنْ ثَمَّ فَمِنْ الْجَوْرِ وَالْجَهْلِ الْقَوْلُ أَنَّ السُّنَّةَ فِيهَا الصَّحِيحُ وَالضَّعِيفُ، لِأَنَّ الضَّعِيفَ لَيْسَ أَصْلًا مِنْ السُّنَّةِ.
إِذَا كَانَتْ هَذِهِ النُّقْطَةُ قَدْ اتَّضَحَتْ فَبِهَا وَنِعْمَة، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ قَدْ اتَّضَحَتْ لَكَ، فَاكْتُبْ لِي فِي تَعْلِيقٍ حَتَّى أُنَاقِشَهَا مَعَكَ، لِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ السُّنَّةِ، وَبَيْنَ مَا وَصَلَنَا مِنْ أَخْبَارٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمُومًا، فَيَتَصَوَّرُ أَنَّ السُّنَّةَ فِيهَا الصَّحِيحُ وَالضَّعِيفُ وَالْمَوْضُوعُ.
مِنْ الْمُهِمِّ التَّنْبِيهُ أَنَّ عُلَمَاءَ الْمُسْلِمِينَ تَنَاقَلُوا السُّنَّةَ عَنْ طَرِيقِ السَّمَاعِ الْمُبَاشِرِ فَالْمُحَدِّثُ يَسْمَعُ مِنْ شَيْخِهِ فَيَحْفَظُ وَيُبَلِغُ تِلْمِيذَهُ، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ فِي نَقْلِ الْمَعْلُومَاتِ الَّتِي تَعْتَمِدُ عَلَى حُفَّاظٍ كُثُرٍ أَوْثَقُ مِنْ طَرِيقَةِ الْكِتَابَةِ الَّتِي قَدْ تَتَعَرَّضُ لِلضَّيَاعِ، وَلِلتَّحْرِيفِ وَقْتَ النَّسَخِ، فَهِيَ أَشْبَهُ مَا تَكُونُ بِالْحِفْظِ السَّحَابِيِّ الْمَعْرُوفِ عِنْدَنَا الْيَوْمَ الَّذِي يَحْفَظُ الْمَعْلُومَةَ فِي خَوَادِمَ كَثِيرَةٍ، بِحَيْثُ إِذَا تَلِفَتْ الْمَعْلُومَاتُ فِي خَادِمٍ مِنْهَا، بَقِيَتْ نُسَخٌ مَحْفُوظَةٌ مِنْهَا فِي الْخَوَادِمِ الْأُخْرَى.
حُكْمُ الْحَدِيثِ إِذَا بَدَا أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ
إِذَا وَجَدْنَا حَدِيثًا صَحَّتْ نِسْبَتُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن حَيثُ السَّنَدِ، وَكَانَ مَتْنُ الْحَدِيثِ مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ لَنَا، فَهَلْ نَرُدُّ هَذَا الْحَدِيثَ، وَنَعْتَبِرُهُ مَكْذُوباً عَلَى رَسُولِ اللَّهِ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ، أَمْ نَقْبَلُهُ رَغْمَ مُخَالَفَتِهِ لِلْقُرْآنِ ؟
بِلُغَةٍ أُخْرَى، هَلْ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِلْقُرْآنِ؟
الْجَوَابُ عَلَى هَذَا السُّؤَالِ هُوَ لَا، لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ مُوَافَقَتُهُ لِلْقُرْآنِ، لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يَجْعَلُ الْوَحْيَ خَاضِعًا لِعُقُولِنَا الْبَشَرِيَّةِ الْقَاصِرَةِ، فَمَا بَدَا لَنَا أَنَّهُ مُتَعَارِضٌ مَع القُرآنِ رَفَضْنَاهُ، وَمَا بَدَا لَنَا أَنَّهُ مُتَوَافِقٌ قَبِلْنَاهُ، وَهَذَا بَاطِلٌ فَعُقُولُنَا مُتَفَاوِتَةٌ وَقَدْ تَعْتَقِدُ وُجُودَ التَّعَارُضِ وَلَا يَكُونُ مَوْجُودًا فِي حَقِيقَةِ الْأَمْرِ.
لِذَلِكَ فَإِنَّ دَوْرَ عُقُولِنَا يَقْتَصِرُ عَلَى التَّثَبُّتِ مِنْ صِحَّةِ نِسْبَةِ الْخَبَرِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا صَحَّتْ نِسْبَتُهُ وَجَبَ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقُرْآنِ، وَبَيْنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْأُخْرَى، بِطُرُقِ الْجَمْعِ الْمَعْرُوفَةِ، كَأَنْ يُعْتَبَرَ أَحَدُ النُّصُوصِ اسْتِثْنَاءً مِنْ نَصٍّ عَامٍّ، أَوْ مُقَيِّدًا لِعُمُومِ نَصٍّ، وَلْنَأْخُذْ مِنْ ذَلِكَ مَثَلًا:
إِذَا قَرَأْنَا قَوْلَ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ :
﴿وَالمُحصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلّا ما مَلَكَت أَيمانُكُم كِتابَ اللَّهِ عَلَيكُم وَأُحِلَّ لَكُم ما وَراءَ ذلِكُم أَن تَبتَغوا بِأَموالِكُم مُحصِنينَ غَيرَ مُسافِحينَ فَمَا استَمتَعتُم بِهِ مِنهُنَّ فَآتوهُنَّ أُجورَهُنَّ فَريضَةً وَلا جُناحَ عَلَيكُم فيما تَراضَيتُم بِهِ مِن بَعدِ الفَريضَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَليمًا حَكيمًا﴾
[النساء: ٢٤]
فَإِنَّنَا نُدْرِكُ أَنَّ اللَّهَ أَحَلَّ نِكَاحَ سَائِرِ النِّسَاءِ بِاسْتِثْنَاءِ اللَّاتِي ذَكَرَ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ، وَإِذَا قَرَأْنَا حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بِنْتِ حَمْزَةَ: «لاَ تَحِلُّ لِي، يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، هِيَ بِنْتُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ»
[البخاري، صحيح البخاري، ١٧٠/٣]
عَلِمْنَا أَنَّهُ فَضْلًا عَلَى مَا حَرَّمَتْ الْآيَاتُ، يَحْرُمُ أَيْضًا بِالرَّضَاعِ مِثْلُهُ، لِذَلِكَ فَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْآيَةِ السَّابِقَةِ، أَنَّ الْحَدِيثَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :
وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ
فَيَحِلُّ لَنَا نِكَاحُ سَائِرِ النِّسَاءِ غَيْرِ اللَّوَاتِي ذَكَرَتْهُنَّ الْآيَةَ أَوْ نَظِيرَاتِهُنَّ مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَبِهَذَا نَكُونُ جَمَعْنَا الْعَمَلَ بِالنَّصَّيْنِ إِيمَانًا بِالْكِتَابِ كُلِّهِ.
لِذَلِكَ لَا يَجُوزُ عَقْلًا أَنْ نَرُدَّ الْوَحْيَ الثَّابِتَ بِعُقُولِنَا إِذَا عَجَزَتْ عَنْ فَهْمِهِ، لِأَنَّنَا سَاعَتَهَا نَجْعَلُ الْعَقْلَ رَغْمَ قُصُورِهِ سَيِّدًا عَلَى الْوَحْيِ وَهَذَا عَيْنُ الْبَاطِلِ.
شُبُهَاتٌ مُنْكِرِي السُّنَّةِ
رَغْمَ الْآيَاتِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي تَأْمُرُ بِاتِّبَاعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَاعَتِهِ، ظَهَرَ صِنْفٌ مِنَ النَّاسِ يَدَّعِي الْإِيمَانَ بِالْقُرْآنِ وَالْكُفْرَ بِالسُّنَّةِ، وَهَذَا الْقَسْمُ يَنْقَسِمُ فِي حَقِيقَتِهِ إِلَى قِسْمَيْنِ
قِسْمٌ خَبِيثٌ يُحَاوِلُ الْكَيْدَ لِهَذَا الدِّينِ، أَغْلَبُهُمْ مِنَ الْمُسْتَشْرِقِينَ وَمَنْ مَشَى عَلَى أَثَرِهِمْ، وَهَؤُلَاءِ لَا يَنْفَعُ مَعَهُمْ نِقَاشٌ، وَلَا حُجَّةٌ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ مِنْ حَالِ أَهْلِ النَّارِ
وَقِسْمٌ آخَرُ أَثَّرَتْ عَلَيْهِ شُبُهَاتُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ نَظَرًا لِقِلَّةِ عِلْمِهِ بِالسُّنَّةِ، وَبِالْعَرَبِيَّةِ، وَهُمْ مَنْ سَوْفَ أُحَاوِلُ الْإِجَابَةَ عَلَى مَا عِنْدَهُمْ مِنْ شُبُهَاتٍ سَائِلًا اللَّهَ لِي وَلَهُمُ الْهِدَايَةَ، فَأَقُولُ مُسْتَعِينًا بِاَللَّهِ:
كِتَابُ اللَّهِ هُوَ الْقُرْآنُ فَقَطْ
اعْلَمْ أَنَّ أَعْظَمَ شُبْهَةٍ أَشْكَلَتْ عَلَى مَنْ تَأَثَّرُوا بِشُبَهِ الْقُرْآنِيِّينَ هِيَ اعْتِبَارُ أَنَّ كِتَابَ اللَّهِ هُوَ الْقُرْآنُ فَقَطْ، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدَ التَّحْقِيقِ، لِأَنَّ كَلِمَةَ الْكِتَابِ فِي اللُّغَةِ تَعْنِي أَيْضاً الرِّسَالَةَ، فَكِتَابُ اللَّهِ يَعْنِي رِسَالَةَ اللَّهِ إِلَى النَّاسِ، وَهِيَ قِسْمَانِ، الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ، وَلَيْسَت الْقُرْآنَ فَقَطْ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
﴿وَيَومَ نَبعَثُ في كُلِّ أُمَّةٍ شَهيدًا عَلَيهِم مِن أَنفُسِهِم وَجِئنا بِكَ شَهيدًا عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلنا عَلَيكَ الكِتابَ تِبيانًا لِكُلِّ شَيءٍ وَهُدًى وَرَحمَةً وَبُشرى لِلمُسلِمينَ﴾
[النحل: ٨٩]
فَالْكِتَابُ فِيهِ بَيَانُ كُلِّ شَيْءٍ، وَلَوْ قَرَأَتْ الْقُرْآنَ مِنْ الْفَاتِحَةِ إِلَى النَّاسِ لَمَا وَجَدْتُ تَفْصِيلَ أَغْلَبِ الشَّعَائِرِ، مِنْ صَلَاةٍ، وَزَكَاةٍ، وَحَجٍّ، لِذَلِكَ عِلْمْنا يَقِينًا أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْكِتَابِ هُوَ رِسَالَةُ اللَّهِ إِلَى النَّاسِ، وَهِيَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ، حَيْثُ أَنَّ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ تَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ .
يُؤَكِّدُ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى:
﴿وَما كانَ هذَا القُرآنُ أَن يُفتَرى مِن دونِ اللَّهِ وَلكِن تَصديقَ الَّذي بَينَ يَدَيهِ وَتَفصيلَ الكِتابِ لا رَيبَ فيهِ مِن رَبِّ العالَمينَ﴾
[يونس: ٣٧]
فَالْقُرْآنُ تَفْصِيلُ الْكِتَابِ أَيْ الرِّسَالَةِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ تَفْصِيلُ أَهَمِّ جُزْءٍ فِي الرِّسَالَةِ وَهُوَ عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ، فَهَذَا مِنْ بَابِ إِطْلَاقِ الْعَامِّ وَيُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ لِإِبْرَازِ أَهَمِّيَّتِهِ.
لِذَلِكَ حَصْرُ كِتَابِ اللَّهِ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ جَهْلٌ، يَلْزَمُ مِنْهُ تَكْذِيبُ الْقُرْآنِ، لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى تَكْذِيبِ آيَةِ النَّحْلِ السَّابِقَةِ، ومَثِيلاتِها
اللَّهُ لَمْ يُوحِ عَلَى رَسُولِهِ غَيْرَ الْقُرْآنِ
يَقُولُ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ السُّنَّةَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُوحِ عَلَى رَسُولِهِ غَيْرَ الْقُرْآنِ، وَيَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
﴿قُل أَيُّ شَيءٍ أَكبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهيدٌ بَيني وَبَينَكُم وَأوحِيَ إِلَيَّ هذَا القُرآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُم لَتَشهَدونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخرى قُل لا أَشهَدُ قُل إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّني بَريءٌ مِمّا تُشرِكونَ﴾
[الأنعام: ١٩]
وَأَنْتَ إِذَا قَرَأْتَ الْآيَةَ أَلْفَ مَرَّةٍ لَنْ تَجِدَ فِيهَا أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُوحِ غَيْرَ الْقُرْآنِ، فَهُوَ لَمْ يَقُلْ لَمْ أُوحِ غَيْرَ الْقُرْآنِ، أَوْ أُوحِيَ إِلَيَّ الْقُرْآنُ فَقَطْ، وَإِنَّمَا قَالَ
وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ
وَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ، وَلَيْسَ مَحَلَّ نِزَاعٍ، فَنَحْنُ نُؤْمِنُ بِأَنَّ اللَّهَ أَوْحَى الْقُرْآنَ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا مَحَلُّ النِّزَاعِ هُوَ حَصْرُ الْوَحْيِ فِي الْقُرْآنِ.
إِذَا رَجَعْنَا لِلْقُرْآنِ فَإِنَّنَا نَجِدُ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتِقْلَالًا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
﴿قُل أَطيعُوا اللَّهَ وَأَطيعُوا الرَّسولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّما عَلَيهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيكُم ما حُمِّلتُم وَإِن تُطيعوهُ تَهتَدوا وَما عَلَى الرَّسولِ إِلَّا البَلاغُ المُبينُ﴾
[النور: ٥٤]
حَيْثُ أَنَّ طَاعَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْصِدُ بِهَا طَاعَةَ أَوَامِرِهِ الصَّادِرَةِ عَنْهُ، غَيْرِ الْقُرْآنِ لِأَنَّ طَاعَةَ الْقُرْآنِ سَبَقَتْ فِي أَمْرِهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَهُنَا يَبْرُزُ السُّؤَالُ عَنْ مَصْدَرِ هَذِهِ الْأَوَامِرِ الصَّادِرَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ الَّتِي لَيْسَتْ فِي الْقُرْآنِ، هَلْ هِيَ مِنْ رَأْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أُمُّ وَحْيٌ مِنْ اللَّهِ أَيْضًا مِثْلُ الْقُرْآنِ، فَيَأْتِي الْجَوَابُ بِأَنَّهَا وَحْيٌ مِنْ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
﴿مَن يُطِعِ الرَّسولَ فَقَد أَطاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلّى فَما أَرسَلناكَ عَلَيهِم حَفيظًا﴾
[النساء: ٨٠]
فَهَذِهِ الْأَوَامِرُ الصَّادِرَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ هِيَ أَوَامِرُ اللَّهِ، مَنْ أَطَاعَهَا، فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَهَذَا يَعْنِي أَنَّهَا وَحْيٌ مِنْ اللَّهِ.
هَلْ كَلَامُ اللَّهِ نَاقِصٌ حَتَّى نُكَمِّلَهُ بِالسُّنَّةِ؟
هَذَا السُّؤَالُ الْخَبِيثُ يَفْتَرِضُ أَنَّ السُّنَّةَ لَيْسَتْ مِنْ وَحْيِ اللَّهِ، وَهَذَا بَاطِلٌ كَمَا سَبَقَ وَبَيَّنَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، فَقَدْ اقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ أَنْ تَكُونَ رِسَالَتُهُ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ مُكَوَّنَةً مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ الْحَقُّ فِي أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَى حُكْمِهِ سُبْحَانَهُ.
وَمَنْ اعْتَرَضَ، أَوْ أَرَادَ أَنْ يَضْرِبَ الْوَحْيَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، إِنَّمَا هُوَ الْخَاسِرُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ، فَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّءُ إِلَّا بِأَهْلِهِ.
أَيْنَ ذُكِرَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُرْآنِ
وَالْجَوَابُ أَنَّ سُنَّةَ اللَّهِ الْمَذْكُورَةَ فِي الْقُرْآنِ تَعْنِي قَانُونَهُ الَّذِي لَا يَتَغَيَّرُ وَلَا يَتَبَدَّلُ، أَمَّا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ تَعْنِي حَيَاتَهُ وَأَيَّامَهُ وَهَذِهِ مَذْكُورَةٌ ضِمْنًا فِي أَغْلَبِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَثَلَا عِنْدَمَا يَأْمُرُنَا اللَّهُ بِرَدِّ التَّنَازُعِ إِلَيْهِ وَإِلَى رَسُولِهِ فِي قَوْلِهِ :
﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا أَطيعُوا اللَّهَ وَأَطيعُوا الرَّسولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم فَإِن تَنازَعتُم في شَيءٍ فَرُدّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسولِ إِن كُنتُم تُؤمِنونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ ذلِكَ خَيرٌ وَأَحسَنُ تَأويلًا﴾
[النساء: ٥٩]
فَهُوَ يَأْمُرُنَا بِالرَّدِّ إِلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَعِنْدَمَا يَتَحَسَّرُ الظَّالِمُ كَمَا أَخْبَرَنَا اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ:
﴿وَيَومَ يَعَضُّ الظّالِمُ عَلى يَدَيهِ يَقولُ يا لَيتَنِي اتَّخَذتُ مَعَ الرَّسولِ سَبيلًا﴾
[الفرقان: ٢٧]
فَهُوَ يَتَحَسَّرُ عَلَى عَدَمِ اتِّبَاعِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَبِيلُ رَسُولِ اللَّهِ هُوَ سُنَّتُهُ، وَالَّتِي مَنْ لَمْ يَتْبِعْهَا سَوْفَ يَعُضُّ عَلَى يَدَيْهِ نَدَمًا وَحَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ.
تِلْكَ أَهَمُّ حُجَجِ مَنْ يُنْكِرُ السُّنَّةَ، وَمَا تَبَقَّى فَهُوَ فِي الْوَاقِعِ أَسْخَفُ مِنْ أَنْ يَسْتَحِقَّ الرَّدَّ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ يَزْعُمُ اتِّبَاعَ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ أَنْ يُطِيعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَمَرَهُ الْقُرْآنُ، فَإِنْ أَبَى فَهُوَ كَاذِبٌ فِي دَعْوَاهُ الْإِيمَانَ بِالْقُرْآنِ وَالْعِيَاذَ بِاَللَّهِ مِنْ حَالِ أَهْلِ النَّارِ.