من تدبر سورة الفاتحة

نَبْدَأُ تَدَبُّرَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ بِتَدَبُّرِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ، تِلْكَ السُّورَةُ الَّتِي قَالَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ، تِلْكَ السُّورَةُ الَّتِي حَوَتْ مَوَاضِيعَ الْقُرْآنِ بِأُسْلُوبٍ مُخْتَصَرٍ فَرِيدٍ، كَمَا سَوْفَ يَظْهَرُ لَنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَكَانَتْ بِذَلِكَ أَحْسَنَ مُقَدِّمَةٍ لِلْقُرْآنِ، يَفْتَتِحُ بِهَا الْقَارِئُ كِتَابَ اللَّهِ، كَمَا يَفْتَتِحُ بِهَا قَلْبَهُ، لِيَسْمُوَ عَلَى دَرَنِ الدُّنْيَا، وَهُوَ يَتَعَلَّقُ بِاَللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.

فِي الْوَاقِعِ يُمْكِنُ أَنْ يَكْتُبَ الْمَرْءُ كُتُبًا فِي تَدَبُّرِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ، فَهِيَ سُورَةٌ غَنِيَّةٌ جِدًّا بِالْعِلْمِ وَالْهِدَايَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَلَكِنِّي فِي هَذِهِ السُّطُورِ أَكْتَفِي بِبَعْضِ مَا يُمْكِنُ اسْتِنْتَاجُهُ مِنْ تَدَبُّرِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ، تَارِكًا لَكَ الْبَابَ لِمُوَاصَلَةِ تَدَبُّرِ هَذِهِ السُّورَةِ الْعَظِيمَةِ، حَتَّى تَزِيدَكَ إِيمَانًا وَنُورًا، فَبِتَدَبُّرِ الْقُرْآنِ تَحْصُلُ زِيَادَةُ الْإِيمَانِ، وَبِسْمِ اللَّهِ نَبْدَأُ:

مَنِ الْمُتَكَلِّمُ حِينَ تَقْرَأُ سُورَةَ الْفَاتِحَةِ؟

سورة الفاتحة

حِينَ تَبْدَأُ قِرَاءَةَ أَيَّ كِتَابٍ، أَوْ مَقَالٍ، فَإِنَّكَ تَكُونُ هُوَ الْمُخَاطَبُ، وَمُؤَلِّفُ الْكِتَابِ، أَوْ الْمَقَالِ، هُوَ الْمُتَكَلِّمُ، لَكِنْ هَلْ هَذَا مَا يَحْدُثُ حِينَ تَبْدَأُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ؟

عَلَى الرَّغْمِ مِنْ كَوْنِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ مِنْ الْقُرْآنِ، إِلَّا أَنَّكَ حِينَ تَبْدَأُ قِرَاءَتَهَا تَكُونُ أَنْتَ الْمُتَكَلِّمُ، وَلَسْتَ الْمُخَاطَبَ، فَأَنْتَ مَنْ يُبَسْمِلُ:

﴿بِسمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ﴾ 

[الفاتحة: ١]

وَأَنْتَ مَنْ يَحْمَدُ اللَّهَ، وَيُثْنِي عَلَيْهِ، وَيُمَجِّدُهُ:

﴿الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ۝الرَّحمنِ الرَّحيمِ۝مالِكِ يَومِ الدّينِ﴾ 

[الفاتحة: ٢-٤]

وَأَنْتَ مَنْ يُخَاطِبُ اللَّهَ جَلَّ جَلَالُهُ مُعْلِنًا عِبَادَتَكَ إِيَّاهُ وَحْدَهُ، وَالِاسْتِعَانَةَ بِهِ وَحْدَهُ:

﴿إِيّاكَ نَعبُدُ وَإِيّاكَ نَستَعينُ﴾ 

[الفاتحة: ٥]

وَأَنْتَ مَنْ يَسْأَلُ اللَّهَ الْهِدَايَةَ، وَتُحَدِّدُ صِرَاطَ مَنْ تُرِيدُ:

﴿اهدِنَا الصِّراطَ المُستَقيمَ۝صِراطَ الَّذينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم غَيرِ المَغضوبِ عَلَيهِم وَلَا الضّالّينَ﴾ 

[الفاتحة: ٦-٧]

إِذَنْ أَنْتَ مَنْ يَظَلُّ الْمُتَكَلِّمُ الَّذِي يُخَاطِبُ اللَّهَ طَوَالَ هَذِهِ السُّورَةِ، وَهَذَا عَكْسُ الْمُعْتَادِ، فَالْمُعْتَادُ أَنَّ الْمُؤَلِّفَ هُوَ الْمُتَكَلِّمُ، وَالْقَارِئَ هُوَ الْمُخَاطَبُ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟

بِحَسَبِ رَأْيِكَ مَاذَا يَعْنِي أَنَّكَ هُوَ الْمُتَكَلِّمُ حِينَ تَقْرَأُ سُورَةَ الْفَاتِحَةِ؟

فَكِّرْ فِي السُّؤَالِ جَيِّدًا، فَهُوَ أَمْرٌ مُهِمٌّ جِدًّا.

كَوْنِي أَكُونُ الْمُتَكَلِّمَ حِينَ أَقْرَأُ سُورَةَ الْفَاتِحَةِ، هَذَا يَعْنِي أَنَّنِي أُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِي، وَهَذَا يَعْنِي أَنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ كِتَابًا يُخَاطِبُنِي وَحَسبُ، وَإِنَّمَا أَيْضًا كِتَابِي الَّذِي يُعَبِّرُ عَمَّا بِدَاخِلِي، وَيَتَكَلَّمُ عَلَى لِسَانِي، فَعَلَاقَتِي مَعَهُ إِذَنْ أَقْوَى مِنْ عَلَاقَةِ قَارِئٍ مَعَ رِسَالَةٍ أُرْسِلَتْ إِلَيْهِ، إِنَّهُ يُخَاطِبُنِي وَيُعَبِّرُ عَنِّي.

كَوْنُ الْقُرْآنِ يَتَكَلَّمُ عَنِّي، هَذَا يَعْنِي عَمَلِيًّا غِيَابَ الْأَنَا تَمَامًا، فَأَنَا لَا أَتَكَلَّمُ عَنْ نَفْسِي بِإِرَادَتِي، وَإِنَّمَا أَتَكَلَّمُ عَنْ نَفْسِي بِالطَّرِيقَةِ الَّتِي أَمَرَنِي رَبِّي بِهَا، وَبِهَذَا يَتَجَسَّدُ بَيْعُ النَّفْسِ لِلَّهِ وَحْدَهُ:

﴿إِنَّ اللَّهَ اشتَرى مِنَ المُؤمِنينَ أَنفُسَهُم وَأَموالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ﴾ 

[التوبة: ١١١]

وَهَذَا هُوَ الْإِسْلَامُ الْحَقِيقِيُّ.

إِنَّ كَونِي أَنَا الْمُتَكَلِّمُ حِينَ أَقْرَأُ سُورَةَ الْفَاتِحَةِ، وَكَونِي أُخَاطِبُ رَبَّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ، هَذَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ أَكُونَ صَادِقًا فِي كُلِّ كَلِمَةٍ أَقُولُهَا، فَأَنَا أُكَلِّمُ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَمِنْ ثَمَّ فَلَا مَجَالَ لِلْكَذِبِ مُطْلَقًا، وَهَذَا يَعْنِي أَنَّنِي عَلَى الْأَقَلِّ أَفْهَمُ كُلَّ كَلِمَةٍ أَقُولُهَا وَأَعْنِيهَا فِعْلًا، وَإِلَّا فَإِنِّي أُخَاطِبُ رَبَّ الْعَالَمِينَ بِكَلَامٍ مُبْهَمٍ، وَهَذَا لَا يَلِيقُ بِهِ سُبْحَانَهُ.

لَوْ أُتِيحَتْ لَكَ فُرْصَةُ لِقَاءِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الْأَرْضِ، فَإِنَّكَ عَلَى الْأَغْلَبِ سَوْفَ تَرْتَبِكُ مِنْ رَهْبَةِ الْمَلْكِ، وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فَإِنَّ لِقَاءَ اللهِ أَعْظَمُ رَهْبَةً فِي نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، فَهَذَا رَبُّ الْعَالَمِينَ جَلَّ جَلَالُهُ، الَّذِي إِذَا رَضِيَ عَنْكَ فُزْتَ بِكُلِّ شَيْءٍ، وَإِذَا غَضِبَ عَلَيْكَ خَسِرْتَ كُلَّ شَيْءٍ، لِذَلِكَ فَإِنَّ الْعَبْدَ فِي هَذَا الْمَوْقِفِ لَا يَسْتَطِيعُ أَبَدًا أَنْ يَعْرِفَ مَا يَقُولُ، وَمِنْ هُنَا أَتَتْ سُورَةُ الْفَاتِحَةِ رَحْمَةً مِنْ اللَّهِ، يُعَلِّمُنَا رَبُّنَا فِيهَا كَيْفَ نُخَاطِبُهُ، وَكَيْفَ نُثْنِي عَلَيْهِ، وَنُمَجِّدُهُ، وَمَاذَا نَسْأَلُهُ، كُلُّ ذَلِكَ فِي كَلِمَاتٍ قَلِيلَةٍ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدِ، عَظِيمَةٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، أَرَاحَنَا بِهَا مِمَّا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ، فَلَهُ الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِهِ، وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ.

تَشْرِيفُ الْإِنْسَانِ

حِينَ تَقْرَأُ:

﴿بِسمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ﴾ 

[الفاتحة: ١]

فَإِنَّ الْكَلَامَ لَمْ يَكْتَمِلْ، فَشُبْهُ الْجُمْلَةُ (الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ) لَا تُفِيدُ مَعْنًى تَامًا، لِذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ تَكْمِلَةٍ لِلْجُمْلَةِ، وَاَلَّتِي نُقَدِّرُهَا بِجُمْلَةِ : أَقْرَأُ

أَيْ أَنْ

﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾

مَعْنَاهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَقْرَأُ، وَهُنَا نَتَوَقَّفُ وَقْفَتَيْنِ مَعَ هَذِهِ الْآيَةِ:

الْوَقْفَةُ الْأُولَى تَشْرِيفُكَ أَيُّهَا الْقَارِئُ، فَأَنْتَ تَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَهَلْ أَنْتَ مُدْرِكٌ لِذَلِكَ.

يَعْنِي أَنْتَ تَقْرَأُ بِإِذْنٍ مِنْ اللَّهِ، وَبِمُوَافَقَةٍ مِنْ اللَّهِ خَالِقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَخَالِقِ كُلِّ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ، وَمِنْ ثَمَّ أَنْتَ لَسْتَ ذَلِكَ الشَّخْصُ التَّافِهُ الَّذِي لَا قِيمَةَ لَهُ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ فِي غَايَةِ الْأَهَمِّيَّةِ يَغْفُلُ عَنْهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ.

فَفِي الْإِسْلَامِ الْإِنْسَانُ ذُو مَكَانَةٍ عَالِيَةٍ جِدًّا فِي هَذَا الْكَوْنِ، فَهُوَ الْمُخَاطَبُ مِنْ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ، وَهَذَا الْكَوْنُ الْعَظِيمُ إِنَّمَا خُلِقَ لَهُ هُوَ، كَمَا قَالَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ:

﴿أَلَم تَرَوا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرضِ وَأَسبَغَ عَلَيكُم نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً﴾ 

[لقمان: ٢٠]

وَمِنْ ثَمَّ فَالْإِنْسَانُ شَأْنُهُ عَظِيمٌ، خُلِقَ هَذَا الْكَوْنَ كُلُّهُ، وَسُخِّرَ لَهُ، لِيُجْزَى عَلَى مَا قَامَ بِهِ مِنْ أَعْمَالٍ: 

﴿وَخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالأَرضَ بِالحَقِّ وَلِتُجزى كُلُّ نَفسٍ بِما كَسَبَت وَهُم لا يُظلَمونَ﴾ 

[الجاثية: ٢٢]

فِي الْأَدْيَانِ الْأُخْرَى، وَخُصُوصًا الْعَلْمَانِيَّةُ، يَفْقِدُ الْإِنْسَانُ قِيمَتَهُ، فَهُوَ مُجَرَّدُ مَخْلُوقٍ عَبَثِيٍّ تَافِهٍ، حَيَاتُهُ لَا مَعْنًى حَقِيقِيٌّ لَهَا، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْكُفَّارَ لَا يَرَوْنَ غَايَةً مِنْ وَرَاءِ خَلْقِ الْكَوْنِ

﴿وَما خَلَقنَا السَّماءَ وَالأَرضَ وَما بَينَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذينَ كَفَروا فَوَيلٌ لِلَّذينَ كَفَروا مِنَ النّارِ﴾ 

[ص: ٢٧]

مَنِ الْمَسْؤُولُ عَنِ الْقُرْآنِ

الْوَقْفَةُ الثَّانِيَةُ مَعَ الْبَسْمَلَةِ هِيَ كَوْنُنَا حِينَ نُبَسْمِلُ بِنِيَّةِ الْقِرَاءَةِ، نَكُونُ بِذَلِكَ أَطَعْنَا أَوَّلَ أَمْرٍ أُمِرْنَا بِهِ، وَهُوَ :

﴿اقرَأ بِاسمِ رَبِّكَ الَّذي خَلَقَ۝خَلَقَ الإِنسانَ مِن عَلَقٍ۝اقرَأ وَرَبُّكَ الأَكرَمُ۝الَّذي عَلَّمَ بِالقَلَمِ۝عَلَّمَ الإِنسانَ ما لَم يَعلَم﴾ 

[العلق: ١-٥]

وَهَأَنَّذَا أَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.

إِنَّ تَلْبِيَةَ هَذَا الْأَمْرِ، وَالشُّعُورَ بِالْمَسْؤُولِيَّةِ عَنْهُ، أَمْرٌ فِي غَايَةِ الْأَهَمِّيَّةِ، لِأَنَّهُ يَجْعَلُنَا نَشْعُرُ أَنَّنَا مَسْؤُولُونَ عَنْ الْقُرْآنِ بِنَفْسِ قَدْرِ مَسْؤُولِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ، فَهُوَ يُخَاطِبُنَا تَمَامًا كَمَا أَنَّهُ يُخَاطِبُهُ، وَنَحْنُ مُلْزَمُونَ بِطَاعَتِهِ تَمَامًا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُلْزَمًا بِطَاعَتِهِ، وَلَا فَرْقَ.

هَذِهِ النُّقْطَةُ مُهِمَّةٌ جِدًّا، وَهِيَ مِفْتَاحُ فَهْمِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ كَمَا فَهِمَهُمَا الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، فَأَنْتَ حِينَ تَشْعُرُ بِأَنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ إِلَيْكَ أَنْتَ تَحْدِيدًا، وَهُوَ فِعْلًا كَذَلِكَ:

﴿قولوا آمَنّا بِاللَّهِ وَما أُنزِلَ إِلَينا﴾ 

[البقرة: ١٣٦]

تَمَامًا كَمَا أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، فَإِنَّكَ سَوْفَ تَشْعِرُ بِأَنَّهُ يُخَاطِبُكَ، وَلِذَلِكَ سَوْفَ تَتَعَامَلُ مَعَهُ بِجِدِّيَّةٍ أَكْبَرَ، فَهُوَ يُكَلِّفُكَ بِمَا كُلِّفَ بِهِ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

﴿قُل هذِهِ سَبيلي أَدعو إِلَى اللَّهِ عَلى بَصيرَةٍ أَنا وَمَنِ اتَّبَعَني وَسُبحانَ اللَّهِ وَما أَنا مِنَ المُشرِكينَ﴾ 

[يوسف: ١٠٨]

لِذَلِكَ سَوْفَ تَفْهَمُهُ، وَتَعْمَلُ بِهِ كَمَا يَجِبُ.

لِلْأَسَفِ غِيَابُ الشُّعُورِ بِالْمَسْؤُولِيَّةِ عَنْ الْقُرْآنِ جَعَلَ النَّاسَ فِي وَادٍ، وَالْقُرْآنَ فِي وَادٍ آخَرَ، أَحْسَنُهُمْ حَالًا مَنْ يَقْرَأُهُ وَحَسبُ، وَهَذَا هُوَ نَبْذُ الْكِتَابِ وَرَاءَ الظَّهْرِ، وَالْإِعْرَاضُ عَنْهُ الَّذِي جَعَلَ حَيَاتَنَا ضَنْكًا، وَضُرِبَتْ عَلَيْنَا الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ بِسَبَبِهِ :

﴿وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكًا وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيامَةِ أَعمى۝قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرتَني أَعمى وَقَد كُنتُ بَصيرًا۝قالَ كَذلِكَ أَتَتكَ آياتُنا فَنَسيتَها وَكَذلِكَ اليَومَ تُنسى۝وَكَذلِكَ نَجزي مَن أَسرَفَ وَلَم يُؤمِن بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبقى﴾ 

[طه: ١٢٤-١٢٧]

﴿فَلَمّا نَسوا ما ذُكِّروا بِهِ أَنجَينَا الَّذينَ يَنهَونَ عَنِ السّوءِ وَأَخَذنَا الَّذينَ ظَلَموا بِعَذابٍ بَئيسٍ بِما كانوا يَفسُقونَ﴾ 

[الأعراف: ١٦٥]

لِذَلِكَ مِنَ الْآنَ اقْرَأِ الْقُرْآنَ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ أُنْزِلَ إِلَيْكَ، وَسَوْفَ تُحَاسَبُ عَلَيْهِ.

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ تَضْمَنُ السَّعَادَةَ

حِينَ تُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِكَ قَائِلًا:

﴿الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ۝الرَّحمنِ الرَّحيمِ﴾ 

[الفاتحة: ٢-٣]

فَإِنَّكَ تُعَبِّرُ عَنْ رِضَاكَ، وَامْتِنَانِكَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَهَلْ أَنْتَ صَادِقٌ فِي حَمْدِكَ فِعْلًا؟

إِنَّ كَوْنَكَ تُخَاطِبُ اللَّهَ جَلَّ جَلَالُهُ يُجْبِرُكَ عَلَى أَنْ تَكُونَ صَادِقًا فِي كُلِّ حَرْفٍ تَقُولُهُ، وَهَذَا يَعْنِي أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ تَشْعُرَ فِعْلًا بِالرِّضَا، وَالِامْتِنَانِ، وَالسَّعَادَةِ، لِكَوْنِ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَتُعْلَنُ بِمَلَئِ فَاكَ مُعَبِّرًا عَنْ شُعُورِكَ:

﴿الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ۝الرَّحمنِ الرَّحيمِ﴾

لِكَيْ تَشْعُرَ بِالرِّضَا فِعْلًا، وَالسَّعَادَةِ، تَحْتَاجُ أَنْ تَذْكُرَ نِعَمَ اللَّهِ عَلَيْكَ الَّتِي لَا تُحْصَى وَلَا تُعَدُ، وَتَحْتَاجُ أَيْضًا أَنْ تَشْعُرَ وَتَلْمِسَ رَحْمَةَ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ وَقَدَرِهِ، فَتُدْرِكُ أَنَّ مَا أَصَابَكَ مِمَّا تَكْرَهُ نَفْسُكَ هُوَ الْخَيْرُ نَفْسُهُ، وَهُوَ الرَّحْمَةُ ذَاتُهَا، فَلَيْسَ كُلُّ مَا يَهْوَى الْمَرْءُ يَكُونُ خَيْرًا لَهُ، وَلَيْسَ كُلُّ مَا يَكْرَهُ يَكُونُ شَرًّا لَهُ:

﴿كُتِبَ عَلَيكُمُ القِتالُ وَهُوَ كُرهٌ لَكُم وَعَسى أَن تَكرَهوا شَيئًا وَهُوَ خَيرٌ لَكُم وَعَسى أَن تُحِبّوا شَيئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُم وَاللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمونَ﴾ 

[البقرة: ٢١٦]

وَهَذِهِ الدَّارُ لَيْسَتْ بِدَارِ الْقَرَارِ، لِذَلِكَ فَمَقَايِيسُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ لَيْسَتْ مَقَايِيسَ دُنْيَوِيَّةً وَإِنَّمَا مَقَايِيسُ أُخْرَوِيَّةٌ حَيْثُ دَارِ الْقَرَارِ.

إِنَّمَا سَبَقَ كَفِيلٌ بِأَنْ يُحَولَ الْمَرَضَ إِلَى نِعْمَةٍ، وَالْمِحْنَةَ إِلَى مِنْحَةٍ، وَهَذِهِ هِيَ السَّعَادَةُ الْحَقِيقِيَّةُ حَيْثُ لَا شَقَاءَ وَلَا جَزَعَ، وَإِنَّمَا رِضًا بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ وَتَسْلِيمٍ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ، فَيُعْلِنُ الْمَرْءُ عَنْ السَّعَادَةِ الَّتِي تَغْمُرُ قَلْبَهُ وَهُوَ يُشَاهِدُ رَحْمَةَ اللَّهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ حَوْلِهِ قَائلاً

﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ۝الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ تُزَكِّي النَّفْسَ

حِينَ تَقْرَأُ:

﴿مالِكِ يَومِ الدّينِ﴾ 

[الفاتحة: ٤]

وَيَوْمُ الدِّينِ هُوَ يَوْمُ الْخُضُوعِ وَالِانْقِيَادِ لِلَّهِ كَمَا بَيَّنَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ فِي قَوْلِهِ:

﴿وَما أَدراكَ ما يَومُ الدّينِ۝ثُمَّ ما أَدراكَ ما يَومُ الدّينِ۝يَومَ لا تَملِكُ نَفسٌ لِنَفسٍ شَيئًا وَالأَمرُ يَومَئِذٍ لِلَّهِ﴾ 

[الانفطار: ١٧-١٩]

فَإِنَّكَ تَتَذَكَّرُ الْيَوْمَ الْآخِرَ، يَوْمَ الْحِسَابِ، الْيَوْمَ الَّذِي لَا يَنْفَعُ إِلَّا الصِّدْقُ مَعَ اللَّهِ:

﴿قالَ اللَّهُ هذا يَومُ يَنفَعُ الصّادِقينَ صِدقُهُم لَهُم جَنّاتٌ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنهُم وَرَضوا عَنهُ ذلِكَ الفَوزُ العَظيمُ﴾ 

[المائدة: ١١٩]

 حَيْثُ تُبْلَى السَّرَائِرُ وَتَتَسَاقَطُ الْأَقْنِعَةُ: 

﴿يَومَ تُبلَى السَّرائِرُ۝فَما لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ﴾ 

[الطارق: ٩-١٠]

وَعَلَيْهِ تَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا تُخْفِي فِي نَفْسِكَ، اللَّهُ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَنْ يَنْفَعَكَ إِلَّا الصِّدْقُ مَعَ اللَّهِ، فَتَبْدَأَ بِتَزْكِيَةِ نَفْسِكَ، وَذَلِكَ بِفِعْلِ مَا أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ، وَاجْتِنَابِ مَا نَهَاكَ عَنْهُ، تَفْعَلُ ذَلِكَ مُخْلِصًا لِلَّهِ، لَا تَفْعَلُهُ رِيَاءً وَلَا سُمْعَةٌ.

لِذَلِكَ حَتَّى وَلَوْ كُنْتَ وَحْدَكَ لَا تَنْتَهِكُ حُرُمَاتِ اللَّهِ، لِأَنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّ عَلَيْكَ رَقِيبٌ، وَتَخَافُ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا.

الْإِعْلَانُ الثَّوْرِيُّ الْكَبِيرُ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَا سَبَقَ مِنْ حَمْدٍ لِلَّهِ، وَذِكْرٍ لِلْآخِرَةِ، يَجْعَلُ الْمَرْءَ رَاضٍ بِقَضَاءِ اللَّهِ، وَقَدَرِهِ، يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ، وَلِذَلِكَ هُوَ تَمْهِيدٌ لِلْإِعْلَانِ الْكَبِيرِ:

﴿إِيّاكَ نَعبُدُ وَإِيّاكَ نَستَعينُ﴾ 

[الفاتحة: ٥]

أَيْ أَنْتَ وَحْدُكَ مَنْ نَعْبُدُهُ، فَلَا نُطِيعُ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا نَخْضَعُ إِلَّا لَكَ أَنْتَ.

هَذَا يَعْنِي أَنَّنَا نَتَمَرَّدُ عَلَى جَمِيعِ سُلُطَاتِ الْبَشَرِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا، وَنُسَلِّمُ أَمْرَنَا لِلَّهِ وَحْدَهُ، الْأَمْرُ الَّذِي يَعْنِي عَمَلِيًّا الْعَدَاءَ مَعَ سُلُطَاتِ الْبَشَرِ، وَبِالتَّالِي سَوْفَ يُمَارَسُ عَلَيْنَا التَّعْذِيبُ وَالتَّشْرِيدُ، فَالْبَشَرُ لَنْ يَقْبَلُوا بِسُهُولَةٍ الْخُرُوجَ عَلَى سُلْطَانِهِمْ.

عَلَى الرَّغْمِ مِنْ كَوْنِ التَّعْذِيبِ وَالتَّشْرِيدِ أَمْرٌ قَاسٍ فِي ظَاهِرِهِ، إِلَّا أَنَّ أَلَمَهُ يَزُولُ عِنْدَمَا يَجِدُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ أَخِيرًا تَحَقَّقَتْ فِيهِ شُرُوطُ الَّذِينَ وَعَدَهُمْ اللَّهُ الْمَغْفِرَةَ وَالْجَنَّةَ فِي قَوْلِهِ:

﴿فَاستَجابَ لَهُم رَبُّهُم أَنّي لا أُضيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنكُم مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى بَعضُكُم مِن بَعضٍ فَالَّذينَ هاجَروا وَأُخرِجوا مِن دِيارِهِم وَأوذوا في سَبيلي وَقاتَلوا وَقُتِلوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنهُم سَيِّئَاتِهِم وَلَأُدخِلَنَّهُم جَنّاتٍ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ ثَوابًا مِن عِندِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسنُ الثَّوابِ﴾ 

[آل عمران: ١٩٥]

لِأَنَّ هَذَا التَّعْذِيبَ، وَهَذَا التَّشْرِيدَ، هُوَ جُزْءٌ مِنْ وَعْدِ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ، الَّذِينَ أَعَدَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ، كَمَا قَالَ فِي: 

﴿أَم حَسِبتُم أَن تَدخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمّا يَأتِكُم مَثَلُ الَّذينَ خَلَوا مِن قَبلِكُم مَسَّتهُمُ البَأساءُ وَالضَّرّاءُ وَزُلزِلوا حَتّى يَقولَ الرَّسولُ وَالَّذينَ آمَنوا مَعَهُ مَتى نَصرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصرَ اللَّهِ قَريبٌ﴾ 

[البقرة: ٢١٤]

إِنَّ إِعْلَانَ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ وَحْدَهُ، لَا يَتِمُّ إِلَّا بِإِعْلَانِ الِاسْتِقْلَالِ عَنْ كُلِّ الْبَشَرِ، وَالِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُمْ، لِذَلِكَ إِعْلَانُ :

وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ

لَا يَقِلُّ فِي خُطُورَتِهِ عَنْ سَابِقِهِ، وَيَعْرِفُ الْجَبَابِرَةُ أَنَّ اسْتِغْنَاءَ النَّاسِ عَنْهُمْ يَعْنِي زَوَالَ سُلْطَتِهِمْ، وَلِذَلِكَ يَحْرِصُ الْجَبَابِرَةُ عَلَى إِفْقَارِ النَّاسِ، وَجَعْلِهِمْ مُعَلَّقِينَ دُومًا بِالدُّنْيَا، حَتَّى يَظِلُّوا خَاضِعِينَ لَهُمْ.

إِنَّ إِعْلَانَ :

﴿إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ﴾

يَمْنَحُ الْقُوَّةَ لِصَاحِبِهِ، وَيَرْفَعُهُ عَالِيًا، فَهُوَ عَبْدٌ لِلَّهِ وَحْدَهُ، لَا يَخَافُ إِلَّا مِنْ اللَّهِ، وَمُسْتَغْنٍ بِاَللَّهِ الْغَنِيِّ عَنْ جَمِيعِ الْخَلْقِ، فَمَنْ ذَا الَّذِي يُدَانِيهِ؟

أَنْوَاعُ النَّاسِ حَسْبَ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ

إِنَّ الْإِعْلَانَ السَّابِقَ إِعْلَانٌ غَايَةٌ فِي الْخُطُورَةِ، وَالصُّعُوبَةِ إِذَا لَمْ يُوَفِّقْ اللَّهُ صَاحِبَهُ لِلْوَفَاءِ بِهِ، فَكَثِيرُونَ هُمْ الَّذِينَ يَسْقُطُونَ فِي بِدَايَةِ الطَّرِيقِ، حِينَ يَهْجُرُهُمْ الْأَهْلُ وَالْأَصْحَابُ، وَحِينَ تَشْتَدُّ ظُلُمَاتُ زَنَازِينِ السُّجُونِ عَلَيْهِمْ، لِذَلِكَ الثَّبَاتُ عَلَيْهِ هُوَ الْأَمْرُ الصَّعْبُ، وَمِنْ ثَمَّ يَأْتِي الدُّعَاءُ:

﴿اهدِنَا الصِّراطَ المُستَقيمَ﴾ 

[الفاتحة: ٦]

لِيُثَبِّتَ الْمُؤْمِنَ عَلَى طَرِيقِهِ، وَلِيَمْنَحَهُ الْقُوَّةَ، وَالشَّجَاعَةَ عَلَى مُوَاصَلَةِ مُجَاهَدَةِ أَهْلِ الْبَاطِلِ، فَيَلْتَحِقَ بِرَكْبِ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ: 

﴿صِراطَ الَّذينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم غَيرِ المَغضوبِ عَلَيهِم وَلَا الضّالّينَ﴾ 

[الفاتحة: ٧]

وَيَسْلَمَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ، أَوْ الضَّالِّينَ.

إِذَا تَأَمَّلْتَ الْآيَةَ الْأَخِيرَةَ: 

﴿صِراطَ الَّذينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم غَيرِ المَغضوبِ عَلَيهِم وَلَا الضّالّينَ﴾ 

[الفاتحة: ٧]

فَإِنَّكَ تَجِدُهَا قَسَّمْتَ النَّاسَ مِنْ حَيْثُ تَعَامُلُهَا مَعَ أَوَامِرِ رَبِّهَا إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ لَا رَابِعَ لَهَا، وَإِلَيْكَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ:

النَّاسُ مَعَ أَمْرِ اللَّهِ لَا يَخْرُجُونَ مِنْ احْتِمَالَيْنِ:

الْأَوَّلُ أَنْ يَعْلَمُوا أَمْرَ اللَّهِ ؛

وَالثَّانِي أَنْ لَا يَعْلَمُوا أَمْرَ اللَّهِ، وَسَاعَتَهَا فَإِنَّهُمْ ضَالُّونَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ.

إِذَا أَخَذْنَا الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ وَهُوَ أَنْ يَعْلَمُوا أَمْرَ اللَّهِ، فَإِنَّ النَّاسَ مَعَهُ لَا تَخْرُجُ مِنْ احْتِمَالَيْنِ: وَهُمَا:

أَنْ يَعْلَمُوا أَمْرَ اللَّهِ وَيَعْمَلُوا بِهِ، فَهُمْ سَاعَتَهَا مِنْ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِمْ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ فِي قَوْلِهِ:

﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذينَ أَنعَمَ اللَّهُ عَلَيهِم مِنَ النَّبِيّينَ وَالصِّدّيقينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفيقًا۝ذلِكَ الفَضلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ عَليمًا﴾ 

[النساء: ٦٩-٧٠]

أَوْ يَعْلَمُوا أَمْرَ اللَّهِ وَيَعْصُونَهُ، وَسَاعَتَهَا فَقَدْ اسْتَحَقُّوا غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ كَمَا أَخْبَرَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ:

﴿مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعدِ إيمانِهِ إِلّا مَن أُكرِهَ وَقَلبُهُ مُطمَئِنٌّ بِالإيمانِ وَلكِن مَن شَرَحَ بِالكُفرِ صَدرًا فَعَلَيهِم غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُم عَذابٌ عَظيمٌ﴾ 

[النحل: ١٠٦]

وَبِهَذَا تَكُونُ الْفَاتِحَةُ قَدْ قَسَّمَتْ جَمِيعَ الْبَشَرِ إِلَّا أَقْسَامٍ شَمَلَتْهُمْ جَمِيعًا، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ شَخْصٌ إِلَّا وَهُوَ فِي أَحَدِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ.

مَا سَبَقَ افْتِتَاحِيَّةٌ لِتَدَبُّرِ سُورَةَ الْفَاتِحَةِ، أَضَعُهُ بَيْنَ يَدَيْكَ لِتَبْدَأَ مِنْهُ تَدَبُّرَ هَذِهِ السُّورَةَ الْعَظِيمَةَ، فَيَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْكَ مِنْ رَحَمَاتِهَا وَبِشَارَاتِهَا، وَمَوَاعِظِهَا مَا شَاءَ اللَّهُ لَكَ، أَسَالَ اللَّهُ الْعَظِيمُ أَنْ يَجْعَلَنِي وَإِيَّاكَ مِنْ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ غَيْرَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ آمِينَ.

تحميل المقال بصيغة pdf

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-