الطبيعة العملية للقرآن والسنة

الطبيعة العملية للقرآن والسنة

عندما نتأمل قصص الأنبياء في القرآن فإننا نلاحظ أن المعلومة تنزل بقدر الحاجة العملية، فكل معلومة لا تنزل إلا حين تكون هناك حاجة عملية لها.

فعلى سبيل المثال لو تأملنا قصة نجاة موسى صلى الله عليه وسلم وقومه من فرعون فإننا نلاحظ أن موسى كان يُعطى المعلومة التي يحتاجها في حينه فقط، ولا يُزاد عليها، فأول معلومة أعطيت له كانت قوله تعالى:

﴿وَأَوحَينا إِلى موسى أَن أَسرِ بِعِبادي إِنَّكُم مُتَّبَعونَ﴾ 

[الشعراء: ٥٢]

حيث أخبره الله أنهم مُتّبعون حتى لا يتفاجأ حين يرى فرعون وجنده عندما يتّبعهم، ولكنه لم يكن يعرف ماذا سوف يحدث بعد ذلك، لذلك أخبر الله عنه لما تراءى الجمعان في قوله: 

﴿فَلَمّا تَراءَى الجَمعانِ قالَ أَصحابُ موسى إِنّا لَمُدرَكونَ۝قالَ كَلّا إِنَّ مَعِيَ رَبّي سَيَهدينِ﴾ 

[الشعراء: ٦١-٦٢]

فلو كان يعلم ماذا عليه أن يفعل لما قال "سيهديني".

في ذلك الموقف نزل أمره تعالى:

﴿فَأَوحَينا إِلى موسى أَنِ اضرِب بِعَصاكَ البَحرَ فَانفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرقٍ كَالطَّودِ العَظيمِ﴾ 

[الشعراء: ٦٣]

ولم يُخبر بما سوف يحدث بعد ذلك، لذلك لما تجاوز البحر حاول أن يضم البحر ليكون حائلا بينه وبين فرعون وجنده، بدليل أن الله أمره بترك البحر بقوله: 

﴿وَاترُكِ البَحرَ رَهوًا إِنَّهُم جُندٌ مُغرَقونَ﴾ 

[الدخان: ٢٤]

وهكذا فإننا نلاحظ أنه بالرغم من خطورة الموقف، وتقارب الخطوات، الله لم ينزل إلا المعلومة التي دعت عليها إليها الحاجة العملية.

هذه الطبيعة العملية لنصوص الوحي تقتضيها حقيقة أنه لم ينزل عبثا، ولم ينزل لمجرد المعرفة النظرية، وإنما أنزل ليعمل به، لذلك حرم الله على الصحابة رضوان الله عليهم السؤال، حتى لا يطلقوا العنان لغريزة حب الاكتشاف والتي تتولد عنها مسائل كثيرة تكون سببا في هلاك هذه الأمة، كما كانت سبب هلاك الأمم السابقة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 

مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ. وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ. فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ  كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ،  وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أنبيائهم

صحيح مسلم ت عبد الباقي ٤/١٨٥٠

للأسف الشديد لما تجاهل الناس أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم السابق وأطلقوا العنان لعقولهم يفترضون المسائل، تفرقت الأمة إلى مذاهب، وتحولت نصوص الوحي من نصوص عملية يجب تطبيقها، إلى مادة للبحث النظري المجرد كما فعل المتكلمون، الأمر الذي قاد الأمة إلى تحريف معاني الدين حيث أصبح الإيمان مجرد التصديق ولا يستلزم العمل، وبالتالي تغيرت نعمة النصر والتمكين لتحل محلها الذلة والمسكنة كما سبق وفصلت في مقال أسباب تخلف الأمة الإسلامية.

لذلك ينبغي علينا أن نقرأ القرآن والسنة قراءة عملية بحيث إذا تعلمنا الآية أو الحديث نقوم بالتطبيق فورا كما فعل الصحابة رضوان الله عليهم، ولا يكن همُّنا مجرد الحفظِ، والحصول على الألقاب والشهادات، فالوحي لم ينزل لذلك.

تحميل المقال بصيغة pdf

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-