أهم صفات المؤمنين التي تميزهم عن غيرهم

إِذَا سَأَلْتُكَ مَا هِيَ أَهَمُّ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَالَّتِي تُمَيِّزُهُمْ عَنْ غَيْرِهِمْ، فَمَا سَوْفَ جَوَابُكَ؟

إِنَّ السُّؤَالَ السَّابِقَ لَيْسَ سُؤَالًا عَبَثِيًّا، بَلْ هُوَ ضَرُورِيٌّ جِدًّا، لِأَنَّهُ بِمَثَابَةِ الِاخْتِبَارِ التَّحْضِيرِيِّ الَّذِي إِذَا تَجَاوَزَهُ الْمَرْءُ اطْمَأَنَّ أَنَّهُ فِعْلًا عَلَى الطَّرِيقِ الصَّحِيحِ، وَسَوْفَ يَنْجَحُ فِي الِامْتِحَانِ النِّهَائِيِّ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَنْجَحْ فِيهِ، فَإِنَّهُ يُرَاجِعُ أَكْثَرَ، وَيَبْذُلُ مَجْهُودَ أَكْبَرَ، حَتَّى يُغَيِّرَ النَّتِيجَةَ عِنْدَمَا يَأْتِي الِامْتِحَانُ الْأَخِيرُ.

كَذَلِكَ نَحْنُ، فَنَحْنُ خُلِقْنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ، وَهَذِهِ الدُّنْيَا هِيَ اخْتِبَارٌ لَنَا، وَنَحْنُ نَزْعُمُ أَنَّنَا مُؤْمِنِينَ الْإِيمَانَ الصَّحِيحَ، لِذَلِكَ نَحْتَاجُ أَنْ نَتَأَكَّدَ مِنْ تَصَوَّرِنَا هَذَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَفِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَنْ نَحْظَى بِفُرْصَةٍ أُخْرَى إِذَا تَبَيَّنَ أَنَّنَا لَمْ نَكُنْ مُسْلِمِينَ حَقًّا، وَسَوْفَ تَكُونُ الْخَسَارَةُ أَبَدِيَّةً، لِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ نَتَأَكَّدَ الْآنَ قَبْلَ فَوَاتِ الْأَوَانِ.

تُفِيدُنَا مَعْرِفَةُ أَهَمِّ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، خُصُوصًا بَيْنَ الْفِرَقِ الَّتِي تَدَّعِي الْإِسْلَامَ، فَكُلُّ فِرْقَةٍ لَا تَتَحَقَّقُ فِيهَا هَذِهِ الصِّفَةُ، هِيَ قَطْعًا لَيْسَتْ مُؤْمِنَةً كَمَا تَزْعُمُ، وَمِنْ ثَمَّ لَا نَنْخَدِعُ بِهَا، وَهَذِهِ فَائِدَةٌ عَظِيمَةٌ، خُصُوصًا فِي زَمَانِنَا الَّذِي كَثُرَتْ فِيهِ الْفِرَقُ وَتَشَعَّبَتْ شُبُهَاتُهَا.

قَبْلَ الْإِجَابَةِ عَلَى السُّؤَالِ السَّابِقِ، أُرِيدَكَ أَنْ تُفَكِّرَ مَلِيًّا، لِأَنَّ الْجَهْدَ الَّذِي تَبْذُلُهُ وَلَوْ لَمْ تَصِلْ إِلَى الْجَوَابِ مُهِمٌّ فِي تَثْبِيتِ الْمَعْلُومَةِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهَا، وَبِالتَّالِي الِاسْتِفَادَةُ مِنْهَا، لِذَلِكَ فَكَّرَ جَيِّدًا فِي الصِّفَةِ الْحَصْرِيَّةِ لِلْمُؤْمِنِينَ الَّتِي لَا يَتَّصِفُ بِهَا غَيْرُهُمْ.

قَدْ تَقُولُ الصَّبْرُ، وَالْإِنْفَاقُ، وَالصَّلَاةُ، وَالتَّضْحِيَةُ، وَهَذِهِ كُلُّهَا صِفَاتٌ لِلْمُؤْمِنِينَ فِعْلًا، وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ حَصْرِيَّةً أَبَدًا، فَكَثِيرٌ مِنْ الْكُفَّارِ يَتَحَلَّى بِصِفَةِ الصَّبْرِ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ مُنْفِقٌ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يُصَلِّي، وَيَخَافُ اللَّهُ، وَيُضَحِّي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ مُعْتَقَدِهِ مَعَ كَوْنِهِ كَافِرٌ، لِذَلِكَ هَذِهِ الصِّفَاتِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، إِلَّا أَنَّهَا لَا تُمَيِّزُهُمْ عَنْ الْكُفَّارِ، لِذَلِكَ أَعَدَّ التَّفْكِيرَ مُجَدَّدًا .

أَرْجُو أَنْ لَا تَقْرَأَ مَا يَلِي قَبْلَ أَنْ تَكُونَ فَكَّرْتُ بِجِدٍّ فِي السُّؤَالِ السَّابِقِ.

أهم صفات المؤمنين


خِلَالَ بَحْثِيٍّ فِي الْقُرْآنِ عَنِ الصِّفَةِ الَّتِي تُمَيِّزُ الْمُؤْمِنِينَ عَنِ الْكُفَّارِ وَجَدتُ صِفَةً وَاحِدَةً، هِيَ أمٌّ لِكُلِّ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، أَلَا وَهِيَ الِاهْتِدَاءُ وَالِانْتِفَاعُ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَوَّلُ صِفَةٍ ذَكَرَهَا اللَّهُ لِلْمُتَّقِينَ هِيَ كَوْنُهُمْ يَهْتَدُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ:

﴿ذلِكَ الكِتابُ لا رَيبَ فيهِ هُدًى لِلمُتَّقينَ﴾ [البقرة: ٢]

فَأَوَّلُ شَيْءٍ وَصَفَ اللَّهُ بِهِ الْمُتَّقِينَ هُوَ كَوْنُهُمْ يَهْتَدُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ شَرَعَ فِي بَيَانِ صِفَاتِهِمْ الْأُخْرَى، وَهِيَ الْإِيمَانُ بِالْغَيْبِ، وَالصَّلَاةِ، وَالْإِنْفَاقِ، ثُمَّ رَجَعَ وَأَكَّدَ عَلَى صِفَةِ الْإِيمَانِ بِالْوَحْيِ فِي قَوْلِهِ:

﴿الَّذينَ يُؤمِنونَ بِالغَيبِ وَيُقيمونَ الصَّلاةَ وَمِمّا رَزَقناهُم يُنفِقونَ۝وَالَّذينَ يُؤمِنونَ بِما أُنزِلَ إِلَيكَ وَما أُنزِلَ مِن قَبلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُم يوقِنونَ۝أُولئِكَ عَلى هُدًى مِن رَبِّهِم وَأُولئِكَ هُمُ المُفلِحونَ﴾ 

[البقرة: ٣-٥]

صِفَةُ الِاهْتِدَاءِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَكَوْنُهُ رَحْمَةً وَمَوْعِظَةً وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ أَكَّدَتْهَا آيَاتٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا:

﴿قُل مَن كانَ عَدُوًّا لِجِبريلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلبِكَ بِإِذنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِما بَينَ يَدَيهِ وَهُدًى وَبُشرى لِلمُؤمِنينَ﴾ 

[البقرة: ٩٧]

﴿كِتابٌ أُنزِلَ إِلَيكَ فَلا يَكُن في صَدرِكَ حَرَجٌ مِنهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكرى لِلمُؤمِنينَ﴾ 

[الأعراف: ٢]

﴿يا أَيُّهَا النّاسُ قَد جاءَتكُم مَوعِظَةٌ مِن رَبِّكُم وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدورِ وَهُدًى وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ﴾ 

[يونس: ٥٧]

﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيكَ مِن أَنباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ في هذِهِ الحَقُّ وَمَوعِظَةٌ وَذِكرى لِلمُؤمِنينَ﴾ 

[هود: ١٢٠]

﴿وَما أَنزَلنا عَلَيكَ الكِتابَ إِلّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اختَلَفوا فيهِ وَهُدًى وَرَحمَةً لِقَومٍ يُؤمِنونَ﴾ 

[النحل: ٦٤]

وَأَكَّدَ بِأَدَاةِ الْحَصْرِ وَالتَّوْكِيدِ "إِنَّمَا" عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ هُمْ الَّذِينَ تَزِيدُهُمْ آيَاتُ اللَّهِ إِيمَانًا فِي قَوْلِهِ:

﴿إِنَّمَا المُؤمِنونَ الَّذينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَت قُلوبُهُم وَإِذا تُلِيَت عَلَيهِم آياتُهُ زادَتهُم إيمانًا وَعَلى رَبِّهِم يَتَوَكَّلونَ﴾ 

[الأنفال: ٢]

كَمَا بَيَّنَ رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ الصِّفَةَ الْأَسَاسِيَّةَ فِي الْكُفَّارِ هِيَ عَدَمُ انْتِفَاعِهِمْ بِآيَاتٍ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى:

﴿وَلَقَد ذَرَأنا لِجَهَنَّمَ كَثيرًا مِنَ الجِنِّ وَالإِنسِ لَهُم قُلوبٌ لا يَفقَهونَ بِها وَلَهُم أَعيُنٌ لا يُبصِرونَ بِها وَلَهُم آذانٌ لا يَسمَعونَ بِها أُولئِكَ كَالأَنعامِ بَل هُم أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الغافِلونَ﴾ 

[الأعراف: ١٧٩]

وقوله: 

﴿إِنَّ الَّذينَ كَفَروا سَواءٌ عَلَيهِم أَأَنذَرتَهُم أَم لَم تُنذِرهُم لا يُؤمِنونَ۝خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلوبِهِم وَعَلى سَمعِهِم وَعَلى أَبصارِهِم غِشاوَةٌ وَلَهُم عَذابٌ عَظيمٌ﴾ 

[البقرة: ٦-٧]

فَلَكَيْ تَعْرِفُ إِنْ كُنْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا، أَمْ كَافِرًا، اُنْظُرْ إِلَى حَالِكَ مَعَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، فَإِنْ كُنْتَ تَجِدُ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ هُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى، فَأَبْشِرْ فَتِلْكَ هِيَ صِفَةُ الْمُؤْمِنِ الَّتِي تُمَيِّزُهُ عَنْ الْكُفَّارِ.

أَمَّا إِذَا كُنْتَ تَجِدُ الْوَحْيَ مُعَقَّدًا لَا يُمْكِنُ فَهْمُهُ، وَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِفَادَةُ مِنْهُ، مَعَ أَنَّكَ عَلَى عِلْمٍ كَافٍ بِلِسَانِ الْعَرَبِ، فَيُؤْسِفُنِي أَنْ أَقُولَ لَكَ أَنَّ تِلْكَ هِيَ أَهَمُّ صِفَاتِ الْكُفَّارِ، لِذَلِكَ تُدَارِكَ نَفْسَكَ قَبْلَ فَوَاتِ الْأَوَانِ، وَذَلِكَ بِإِعَادَةِ النَّظَرِ فِيمَا تُؤْمِنُ بِهِ، وَجَعْلَهُ مُوَافِقًا لِلْإِيمَانِ الصَّحِيحِ، وَقَدْ شَرَحْتُ ذَلِكَ بِالتَّفْصِيلِ فِي بَحْثٍ كَيْفَ نَكُونُ مُسْلِمِينَ حَقًّا.

إِنَّ صِفَةَ الِاهْتِدَاءِ وَالِانْتِفَاعِ بِكِتَابِ اللَّهِ هِيَ أُمُّ كُلِّ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، لِأَنَّ الْوَحْيَ يُبَيِّنُ وَيَحُضُّ الْمُسْلِمَ عَلَى جَمِيعِ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا أَنَّهُ يُبَيِّنُ وَيُحَذِّرُ مِنْ صِفَاتِ الْكَافِرِينَ وَصِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ، لِذَلِكَ مَنْ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ الْحَصْرِيَّةِ لَا شَكَّ أَنَّهُ سَوْفَ يَتَّصِفُ بِبَقِيَّةِ صِفَاتِ الْمُتَّقِينَ، وَمِنْ هُنَا كَانَتْ هِيَ الصِّفَةُ الْجَامِعَةَ الْمَانِعَةَ، مَنْ اتَّصَفَ بِهَا هُوَ الْمُؤْمِنُ، وَمَنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِهَا لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ.

تَنْبِيهٌ

فِي بَحْثٍ كَيْفَ نَفْهَمُ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ ذَكَرَتْ التَّأْثِيرَ الْمُزْدَوَجَ لِلْوَحْيِ، فَهُوَ يَزِيدُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا، وَيَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرًا، فَالْكُفَّارُ يَسْتَخْدِمُونَ بَعْضَ الْآيَاتِ لِيُدَلِّلُوا بِهَا عَلَى صِحَّةِ دِينِهِمْ، فَكَيْفَ أُمَيِّزُ أَنَا بَيِّنَ إِذَا مَا كُنْتَ فِعْلًا مُؤْمِنًا أَنْتَفِعُ بِالْقُرْآنِ، أَمْ كَافِرًا يَزِيدُنِي الْقُرْآنَ ضَلَالًا؟

الْجَوَابُ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَنْتَفِعُ بِالْوَحْيِ كُلِّهِ، يَجِدُهُ نُورًا مُبَينًا يَسِيرًا مَفْهُومًا، أَمَّا الْكَافِرُ فَإِنَّهُ أَعْمَى عَنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ بِشَكْلٍ عَامٍّ، وَيَتَمَسَّكُ بِتَحْرِيفِهِ لِمَعْنَى آيَةٍ أَوْ اثْنَتَيْنِ، أَيْ أَنَّ الْمُؤْمِنَ مَعَ الْوَحْيِ شَخْصٌ يُبْصِرُ نُورَهُ، وَيَسْمَعُهُ، أَمَّا الْكَافِرُ فَهُوَ أَعْمَى عَنْ الْوَحْيِ، وَأَصَمُّ، كَمَا قَالَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ:

﴿مَثَلُ الفَريقَينِ كَالأَعمى وَالأَصَمِّ وَالبَصيرِ وَالسَّميعِ هَل يَستَوِيانِ مَثَلًا أَفَلا تَذَكَّرونَ﴾ 

[هود: ٢٤]

أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ أَنْ يَجْعَلَنِي وَإِيَّاكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ الَّذِينَ يَهْتَدُونَ بِوَحْيِ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ آمِينَ.

تحميل المقال بصيغة pdf

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-