إِنَّ الإسْلام كمَا تَعلَمنا سابقًا هُو بعث مِن الموْتِ ، فالْمَرْء حِين يُسلم يَشهَد تغْييرًا جذْريًّا فِي جميع مَناحِي الحيَاة ، وَهذَا هُو اَلذِي جعل رَسُول اَللَّه صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم ، يُقضِي عشر سَنَوات مِن عُمْر الدَّعْوة لََا يَحدُث الصَّحابة رَضْوان اَللَّه عَليهِم عن شَيْء غَيْر مَاهِية الإسْلام نَفسِه ، مِن خِلَال مَشاهِد حَيَّة يَنقُلها اَلقُرآن مِن حَيَاة مِن سبقنَا مِن اَلأُمم ، حَتَّى يَتَجذَّر الإيمان فِي نُفوسِهم ، فيتجَلَّى فِي وَاقعِهم .
وَلكَي نُسلم نَحْن أيْضًا ، فَإِننَا مُحْتاجون حَاجَة مَاسَّة لِأن نَتَربَّى بِقصص بِالْقرْآن ، كمَا تَربَّى بِهَا الصَّحابة رَضْوان عَليهِم ، لِنَصل إِلى مَا وَصلُوا إِلَيه ، فَمِن سار على الدَّرْب وصل ، وربُّك لََا يَظلِم أحدًا .
وَلذَلِك نَبدَأ هَذِه السِّلْسلة المعنْونة بِـ : " تَعلَّم مَا هُو الإسْلام مِن خِلَال قِصَّة " .
وقصَّتنَا اَلتِي سَوْف نتْبدأ بِهَا هَذِه السِّلْسلة ، هِي قِصَّة أَصحَاب السَّبْتَ ، وَذلِك مِن خِلَال المحاور التَّالية :
- مَن هُم أَصحَاب السَّبْت ؟
- مَا هُو جُرْمُ أَصحَاب السَّبْت ؟
- اِنقِسام العلماء حَوْل ذَنب أَصحَاب السَّبْت ؟
- مَن نزل عليْه العذَاب مِنْ أَصحَاب السَّبْت ؟
- الاسْتنْتاج
مَن هُم أَصحَاب السَّبْت
أَصحَاب السَّبْت هُم سُكَّان قَريَة مِن بَنِي إِسْرائيل ، يعْتقدون أَنهُم مُسْلمون على دِين مُوسَى صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم ، وَكَان فِيهم عُلَماء يعْلمون مَا فِي التَّوْراة مِن أَحكَام .
أَصحَاب السَّبْت اِعْتادوا على مَعصِية اَللَّه جلَّ جلاله ، لِذَلك سَهَّل اَللَّه عَليهِم فِعْل المعاصي وجعْل مِن الصَّعْب عَليهِم طَاعَة اَللَّه ، عُقُوبَة لَهُم على تماديهم فِي مَعصِية اَللَّه .
﴿وَاسأَلهُم عَنِ القَريَةِ الَّتي كانَت حاضِرَةَ البَحرِ إِذ يَعدونَ فِي السَّبتِ إِذ تَأتيهِم حيتانُهُم يَومَ سَبتِهِم شُرَّعًا وَيَومَ لا يَسبِتونَ لا تَأتيهِم كَذلِكَ نَبلوهُم بِما كانوا يَفسُقونَ﴾
[الأعراف: ١٦٣]
تنبيه
إذا وجدت إرتكاب المعاصي سهل عليك ، فاحذر ، فهذا يعني أنك أكثرت من المعاصي ، وأن عذاب الله وشيك !
مَا هُو جُرْمُ أَصحَاب السَّبْت ؟
يَعلَم بنوا إِسْرائيل أنَّ اَللَّه حرم عَليهِم الصَّيْد يَوْم السَّبْتِ ، فابْتلاهم اَللَّه بِخروج الأسْماك مِن البحْر يَوْم السَّبْتِ ، وَفِي الأيَّام اَلأُخرى لََا يَخرُج إِليْهم السَّمك .
هُنَا قَررُوا بِحَسب مَا جاء فِي بَعْض الرُّويَّات أَنهُم سَوْف يحْتالون على أَمْر اَللَّه ، فسوْف يحْفرون حُفَرا يَوْم اَلجُمعة ، فَإذَا خرج السَّمك يَوْم السَّبْتِ وقع فِيهَا ، فَإذَا كان يَوْم الأحد أتوْا وأخذوا السَّمك الموْجود فِي الحفْر .
وبالْفعْل نَفذُوا مُخطَّطهم اَلخبِيث هذَا ، واسْتمرُّوا عليْه زمانًا فالْآيات تَدُل على اِنقِسام العلماء حَوْل ذَنبهِم مِمَّا يَدُل أَنهُم اِسْتمرُّوا عليْه وقْتًا كافيًا لِكيْ يَتَذكَّر وَيتُوب مِن يَتَذكَّر .
ملاحظة:
أصحاب السبت كان فيهم من الحياء ما منعهم من التجرء على معصية الله مباشرة ، فاحتالوا لها ، ومع ذلك نزل عليهم العذاب ، لذلك ليحذر الذين يتجرأون على معصية الله !
اِنقِسام العلماء حَوْل ذَنب أَصحَاب السَّبْت ؟
اِنقسَم العلماء حَوْل جُرْم قَومهِم إِلى قِسْميْنِ :
القسْم الأوَّل أَنكَر اَلمُنكر ، وَأمَر بِالْمعْروف ، فوعظوا قَومُهم لَعلَّهم يتوبون مِن التَّحايل على مَعصِية اَللَّه ، فلَا يُمْكننَا أن نَتَحايَل على اَللَّه .
القسْم الثَّاني لَم يُنْكِر على قَومِه ، وبدلا مِن ذَلِك ، أَنكَر على الَّذين يَأمُرون بِالْمعْروف ، وينْهون عن اَلمُنكر ، كمَا أخْبرَنَا رَبنَا عزَّ وجلَّ :
﴿وَإِذ قالَت أُمَّةٌ مِنهُم لِمَ تَعِظونَ قَومًا اللَّهُ مُهلِكُهُم أَو مُعَذِّبُهُم عَذابًا شَديدًا قالوا مَعذِرَةً إِلى رَبِّكُم وَلَعَلَّهُم يَتَّقونَ﴾
[الأعراف: ١٦٤]
مَن نزل عليْه العذَاب مِنْ أَصحَاب السَّبْت ؟
عِنْدمَا أتى عَذَاب اَللَّه لَم يَنْج مِنْه غَيْر الَّذين يُنْهُون عن السُّوء :
﴿فَلَمّا نَسوا ما ذُكِّروا بِهِ أَنجَينَا الَّذينَ يَنهَونَ عَنِ السّوءِ وَأَخَذنَا الَّذينَ ظَلَموا بِعَذابٍ بَئيسٍ بِما كانوا يَفسُقونَفَلَمّا عَتَوا عَن ما نُهوا عَنهُ قُلنا لَهُم كونوا قِرَدَةً خاسِئينَ﴾
[الأعراف: ١٦٥-١٦٦]
أيْ أَنَّه أَصَاب طائفتين وهما :
الَّذين أصرُّوا على الصَّيْد يَوْم السَّبْتِ ، ولم يتوبوا مِنْه .
الَّذين أصرُّوا على عدم الأمْر بِالْمعْروف ، والنَّهْي عن اَلمُنكر ، فسكتوا عن قَومهِم ولم يُنْهُوهم ، لِأنَّهم بِسكوتهم عَاصُون لِلَّه ، مثلهم مثل الَّذين اِصْطادوا .
الاسْتنْتاج
نَستنْتِج مِن هَذِه اَلقِصة أنَّ الإصْرار على مَعصِية اَللَّه كَفْر جَالِب لِعذاب اَللَّه عزَّ وجلَّ فِي الدُّنْيَا قَبْل اَلآخِرة ، فأصْحَاب السَّبْتِ إِنَّما كَفرُوا بِإصْرارهم على مَعصِية اَللَّه جلَّ جلاله ، لِذَلك مَا هُو شَائِع بَيْن النَّاس مِن أنَّ الإصْرار على الكبائر لَيْس بِمكفِّر هُو بَاطِل مُخَالِف لِلْقرْآن ، وقد فَصلَت فِي هذَا الأمْر فِي بَحْث خُطُورَة المعْصية.